شديداً، فحاول أن يفرضه على الناس فرضاً، واندفع يغلق الهياكل ويطرد الكهنة، وانشغل عن أمور الدولة فسرح الجنود وأهمل الجيش، فكان من وراء ذلك أن انتقضت عليه المستعمرات المصرية، واستولى الحثيون على شمال سوريا كما استولى العبرانيون على جنوبها، ففزع المصريون لذلك، ونهضوا ثائرين عليه بتدبير الكهنة ورجال الجيش المعطلين، وفي مقدمة هؤلاء أوزيران كاهن آمون في معبد خناعي، وهو شيخ جليل خالف الملك في عقيدته الدينية ودعا إلى محاربته باسم الوطنية
هذه المبادئ التي أذاعها إخناتون ودعا إليها ما وسعه الجهد، وهذه الثورة التي أعلنها عليه المصريون لإنقاذ حضارتهم وغضباً لوطنيتهم وقوميتهم هو موضوع القصة، وغاية المؤلف التي يرمي إلى توضيحها. ولا شك أنه قد استطاع أن يشرح فكرته شرحاً فنياً قويماً، فلا فضول ولا ثرثرة، ولا اقتضاب ولا شذوذ في سرد الحوادث والانتقال من وضع إلى وضع، ولكنك تحس وأنت تقرأ أنك تجري في نسق طبيعي مطرد، يرسمه أسلوب حلو يفيض بحرارة الإيمان وحماسة الوطنية، وكأنها حماسة أمازيس إذ يقول: لقد فهمت وآمنت، سأعلمهم أننا ولدنا جنوداً، وأننا ما زلنا رغم العوادي أبناء هذا النيل، نحارب وننتصر، ونطوي العالم في نفوذنا من جديد. . .
ولقد ذكر المؤلف الفاضل أنه تقدم بقصته إلى الفرقة القومية فكان رأيها قاطعاً في عدم صلاحيتها! وأنا أستطيع أن أطمئن المؤلف الفاضل من هذه الناحية، فإن الفرقة القومية أصلحها الله لا تقدر الآثار إلا بأسماء أصحابها وما لهم من شهرة ودوي وطنين. ثم أن الفكرة في هذه القصة تقوم على الانتصار لتاريخنا وقوميتنا ووطنيتنا، هي غذاء لروحنا وعواطفنا بما يلائم روحنا وعواطفنا؛ ولكن الفرقة لا يهمها ذلك، فهي تحب أن تكون دائماً متطفلة على موائد الغرب، تذيع كل ما هو غريب عنا ولا يمت إلى روحنا بأدنى شئ. . .
نعم أنا أطمئن المؤلف من هذه الناحية، وأقدر فيه موهبته الفنية واستعداده للقصص، فإنه استعداد قوي كامل، إذا ما تعهده بالمران والصقل فسيكون له شأن أي شأن. ولو أنه رزق الدقة في الحوار، والوضوح في التعبير لكان فناناً من الطراز الأول، ولجاءت قصته وشأنها في الكشف عن عبقريته والإعلان عن مواهبه شأن (أهل الكهف) في الكشف عن صاحبه الأستاذ الحكيم