للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هلم سلاحي لا أبالك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا

ولله عهدُ لا أخيس بعهده ... لئن فرجت ألا أزور الحوانيا

ثم قال يا سلمى: هل لك من خيرٍ إلي؟ فقالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عني وتعيرينني البلقاء فرس سعد، ولله عليّ إن سلمتُ أن أرجع حتى تضعي رجليَّ في القيد. فترددت سلمى حتى تبينت الصدق في قوله فأطلقته. وركب أبو محجن البلقاء ثم دب عليها؛ حتى إذا تنفس الصبح وأشرق يوم أرماث واصطف الناس، حمل على ميسرة العدو حملة صادقة فانخلعت لها القلوب، وانخرعت منها الفيَلة، وتضعضت أمامها الفرس. وعجب العرب أن يكون فيهم هذا الفارس ولا يعرفونه، حتى قال أحدهم: إن كان الحضر يشهد الحرب فهو صاحب البلقاء. وقال آخر: لولا أن الملائكة لا يقاتلون ظاهرين لقلنا هذا ملك. وجعل سعد يقول وهو يشرف على المعركة: الطعن طعن أبي محجن، والضبْر ضبر البلقاء، ولولا محبسه لقلت إنه هو!

وانتصف الليل فتحاجز العسكران؛ وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر ووضع رجليه في القيد!

وكانت سلمى قد رأت فعله وسمعت قوله فأعجبت بإبائه ووفائه وبطولته. ثم دخلت على سعد وكانت مغاضبة له، فصالحته وأخبرته بخبر أبي محجن، وسألته أن يطلقه. فأستخف سعداً ما رأى من فتوة أبي محجن ورضا زوجه، فدعاه وقال له وهو لا يزال في حماسة الإعجاب ونشوة الغبطة: والله لا أحبس بعد اليوم رجلاً نصر الله المسلمين على يده هذا النصر، ولا أعاقبه إذا شرب. فقال له أبو محجن وقد بدت على محياه سِماتُ النبل ودلائل المروءة:

- وأنا والله لن أذوقها بعد الساعة. لقد كنت أشربها أنفةً من أن يقول خاف الحد، فأنا اليوم أتركها رغبة في أن يقولوا خاف الله!

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>