وإني لذو صبر وقد مات اخوتي ... ولست عن الصهباء يوماً بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر
فقال له عمر: قد أبديت ما في نفسك، ولأزيدنك عقوبة لإصرارك. فقال الأمام عليّ حجة القضاء وولي العدل:
- ما ذلك لك يا عمر. وما يجوز أن تعاقب رجلاً قال لأفعلن وهو لم يفعل. وقد قال الله في الشعراء: وأنهم يقولون ما لا يفعلون. فقال عمر: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فقال علي: أهؤلاء عندك منهم؟ لقد سمعت الرسول (ص) يقول: لا يشرب الخمر شارُبها وهو مؤمن.
نجا أبو محجن وما نجا. فأنه أصر على ألا يترك الخمر مخافة العقوبة، وأصر عمر على أن يجلده كلما شرب، حتى أعيا الخليفة أمره وأعجزه صلاحه، فقرر أن ينفيه إلى جزيرة كان ينفي فيها الخلعاء، ووكل به شُرَطياً يصحبه إلى المنفى وأوصاه أي يدع معه السيف فإنه كميُّ فاتك. وعلم أبو محجن بالحكم والوصية، فتزود بغرارتين ملئتا دقيقاً، ثم عمد إلى سيفه فجعل نصله في غرارة، وغمده في غرارة. فلما بلغ هو والشرطي ساحل البحر قعدا للغداء، وفتح الغرارة يوهم أنه يخرج الدقيق ولكنه أخرج السيف! فلم يكد الشرطي يراه في يده حتى انطلق يعدو إلى بعيره فنجا به إلى المدينة بعد لأي.
وقال الشاعر لنفسه بعد تفكير وتدبير وعزم: لا ينبغي أن يكون المفر من عمر في الحجاز إلا إلى سعد في العراق
- ٣ -
وفد أبو محجن على فاتح العراق سعد بن أبي وقاص يوم الكتائب من أيام القادسية؛ وكان سعد قد تلقى من أمير المؤمنين الساهر اليقظ كتاباً يأمره فيه بحبس الشاعر ساعة يفد. ودارت رحى الحرب بين العرب والفرس وأبو محجن مقيد في قصر القائد، فما كاد يسمع وغاها حتى عصفت النخوة في رأسه، وثارت الحمية في نفسه، واضطرب في حبسه اضطراب الأسد في قفصه. ثم زأر بهذه الأبيات على مسمع من سلمى زوج سعد: