حاجة إلى برهنة واستدلال، ولا يأبه مطلقاً بخصوم ولا معارضين. والدعوات سياسية كانت أو دينية، إنما تقوم إبان نشأتها على معتنقين اتجهوا نحوها بقلوبهم وتفانوا بها بأرواحهم، فأصبحوا ولا يعز عليهم مطلب ولا تبعد عنهم غاية. وكم سمعنا أن قائداً تسلق مع جنده الجبال واخترق البحار وخاض غمار الشرق والغرب دون أن يتخلف عنه متخلف، أو يقعد عن مناصرته الأتباع والأعوان. وكم روى لنا التاريخ من أخبار زعماء سياسيين أو دينيين كانت إشارتهم وحياً وكلمتهم أمراً، إذا ما تحركوا تحركت الألوف المؤلفة، وإذا ما دعوا لبى الجميع. فإذا ما فترت الدعوة وضعفت العقيدة وخمدت حرارة الإيمان الأولى، أخذ الناس يبحثون في معتقداتهم ويعللون ويناقشون ويعارضون
لهذا كان لابد لكل عقيدة من غذاء، ولكل دعوة من مواد تلهب الشعور وتنمي العاطفة. وما الطقوس الدينية والصلوات المفروضة والأدعية الخاشعة والذكر الدائم والقرابين المتكررة، إلا وسيلة من وسائل جذب النفوس نحو عالم النور والألوهية والإيمان والعقيدة. وعلى نحو هذا يجدُّ السياسيون في إقامة الحفلات، وتنظيم الدعوات والمظاهرات، وإلقاء الخطب المثيرة للجماهير. وإذا استطاع الزعيم أن يكون سياسيًّا ودينيًّا في آن واحد، أو بعبارة أخرى، سياسيًّا وصوفيًّا، توفر لديه كثير من أسباب الغلبة والفوز. وهانحن أولاء نرى زعماء العصر الحاضر يخلطون حركاتهم السياسية بآراء تتصل بالدم والجنسية والدين والعقيدة؛ فالهتلرية مثلاً نظرية سياسية تعتمد على دعائم روحية وصوفية، وهذا من غير شك عامل كبير من عوامل نجاحها وتقدمها. ولقد أجادت سبل الدعاية وأتقنت طرق تنظيم الأتباع إلى طوائف وجماعات يميزها زي خاص وشارات معينة، فزادها هذا تقديساً لإرادتها واستمساكاً بنظريتها. ولعل أعون شيء على تنمية الإيمان والعقيدة أن يحس المؤمن أنه عضو في أسرة وجزء من مجتمع، وأن يشعر المعتقد أن عقيدته ذات سيادة شاملة وسلطان عام. وما نراه من تعصب أعمى أحياناً وغلو في الدين أحياناً أخرى إنما منشؤه تغلب العاطفة على العقل والرغبة في أن نحمل الناس على اعتناق كل ما ندين به من أفكار
اختلف علماء الكلام المسلمون - كما اختلف رجال الدين من المسيحيين - في حقيقة الإيمان، هل يزيد وينقص وهل هو إذعان قلبي فقط أم هو اعتقاد بالجنان ونطق باللسان