معلقة على جدار كأن ليس فيمل يجري خلفه وبين يديه من ساعات الهول وأهوال الساعة ما يحرك له خاطرا أو يهيج له شاعريه. .! أو ليس من الغبن الفاضح ومن دواعي اليأس القاتل أن يموت في الأمة شاعر فتصبح الأمة بأسرها شعراء ترثيه وتبكيه، وتموت بأسرها فلا تجد لها شاعرا يرثيها؟!) أجل أيها الأخ النازح! انه لغبن فاضح وجهل بحقوق الأمم في أعناق الرجال، وغفلة عن رسالة الشعر والأدب، وعن وصايا الأدباء على أممهم، أن يهمل المتأدبون ناحية الجهاد في هذه الحقبة من تاريخ العرب، وان يعكفوا على أدب الخليين الذين يذهبون إلى إشباع الحاسة الفنية فيهم لا غير. . . وإني لأفهم قلم الشاعر والكاتب، ولسان الخطيب، في عصرنا هذا، يجب أن تشيع في منتوجه ألوان من آلام أمته، وأن يخلد من وقائع جهادها صورا تتيح للأجيال المقبلة أن ترى فيها حياة الألم الذي يأكل إحساس الجماعة المثقفة في هذا العصر لأنهم بشاعريتهم المصقولة، واحتكاكهم بالزمن، وتيقظهم لمروره يعكسون صور من يدركون من الحوادث بوضوح واستيعاب، فإذا حولوا هذه الحساسية المصقولة إلى حياة المتاع واللهو والخلو، فقد تضيع معالم هذه الحقبة من تاريخنا أو تنبههم، فضلا عما يصيب إحساسنا القومي من تبلد ونزوع إلى حياة المتعة حيث الكتابات الداعية إليها تأخذ على عين القارئ مسالك الصحف. وفي هذا خسران الروح المعنوية في عصر الجهاد، وفي ذاك خسران أيضاً لأننا في جيل انتقال أحوج ما نكون إلى تسجيل الأحداث مع المشاعر التي تصاحبها ولن يسجل المشاعر إلا شاعر.
ولن يستطيع الداعون إلى بناء الوطن العربي أن يخلقوا في نفوس الشباب حرمة له ما لم يأتوا إليهم من طريق الجد والمرارة! فانهم يستطيعون حينذاك يشيدوا البناء بنجوم السماء!
والآن أضع بين يدي الرسالة نص مقدمة (الأعاصير) لتنتقي من أفكارها ما تتسع له صفحاتها ومنهاجها، ولو إن الأمر إلي لوضعتها كاملة تحت عين القارئ ليرى ذلك القلب الخافق رحمة لأمته، والصوت الصارخ لآلامها، والقلم الوفي لقضيتها.
أما بعد فأني كتبت ما تقدم قبل أن اقرأ المقال الذي كتبه صديقي الأستاذ الأديب علي الطنطاوي الدمشقي في عدد مضى من الرسالة والذي ينعى فيه على أدبائنا الذين لم يعرفوا حتى القومية في عصر الجهاد والذين اعتنقوا الأدب للفن لا للحياة. . وقد عجبت لهذا التوافق في ظهور هذه الأفكار بينه وبين صاحب الأعاصير.