ويلوح لي إن الأمر جد، وان زمان ظهوره قد شأنه المقادير، وان هذه الدعوة يجب أن يلقى التبشير بها ما له الاعتبار عند أدباء العربية، وانه يجب أن ترسم الخطة التي ينبغي أن يتجه إليها أدب أمة تتنزى ألما في السياسة والاجتماع.
وإني لاستقبل المغرب وأرسل للشاعر القروي تحيتي حارة خالصة لا يطفئ من حرارتها عبور ما بيننا وبينه من ديار وقفار وبحار. ثم استقبل المشرق فاحيي صديقي الأستاذ الطنطاوي تحية طيبة. ومنى نفسي أن يكون لهذين الصوتين المنبعثين من مشرق الشمس ومغربها، صدى بالغ إلى القلوب قراء الرسالة.
المقدمة
هذه الأعاصير! وهي مختارات من شعري الوطني، نحيتها عن سائر أشعاري لتعصوصف في جو وحدها. إنها خواطر جامحة، وأفكار ثائرة، بلورت من صراعها في صدري مع أخواتها الوادعات، ما أشفقت معه أن اجمع بينهن في كتاب، يسمنه من تنابذهن وحراشهن ما سمني من عذاب. ولم أخصها بالنشر، على ما فيها من شدة وعُرام، قبل مختلف المواضيع التي يشتمل عليها ديواني، إلا لاعتقادي أننا إلى ما يبعث فينا الأثرة ويقوي العصبية، أحوج منا إلى ما يزيدنا حباً للإنسانية، وإصلاحا للبشرية.
هذه آيات أنبيائنا وأسفار حكمائنا، تشهد بان لنا من فيض العاطفة الاجتماعية، وحرارة الروح الإنسانية وسطوعها، ليس لسائر الأمم بعضه، ولكن هذا الذي أردنا به السلام للعالم يعمل به أحد سوانا فلم يهد الناس شيئاً وعاد علينا نحن وبالاً شديداً فلقد وزعنا الحب على أهل الدنيا، حتى لم يبق لنا منه فضلة لذواتنا، ولقد بلغنا من إنكار النفس والتطوع بخدمة الغرباء مبلغا جاوز بنا رياض فضيلة الكرم، وشرف التضحية إلى سباخ التمرغ والذل والدناءة. إننا اسلس المطايا قياداً، والينها شكيمة، واحنها ظهرا، وأتعسها مركبا، بل نحن صيد شهي سائغ، ليس اقرب منه منالاً ولا اسهل منه مأخذا، فبدلا من أن يتكلف القانصون مشقة نصب الفخاخ لنا أو مطاردتنا ووهقنا، باتوا وجهادهم محصور في كيف يتقون تهافتنا عليهم، ووقوعنا على اقدامهم، كما يدفع الرجل كلبه عنه حذرا منه على لباسه، لفرط ما يرى من تحببه إليه وتوثبه عليه.
أما والله لو كنت شاعرا فرنسيا أو إنكليزيا لحبست النفس على التبشير بالسلام، ووقفت