للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلم على الدعوى إلى الرافة والحنان. لأن الرافة والحنان زينة الأقوياء. أما وأنا سوري، ومن لبنان، فإني لا غرض لي في الحياة اشرف من دعوة شعبي إلى بغض الشعوب، ولا مثل عندي أعلى من استنهاض أمتي لمحاربة الأمم. وانه لبغض أسمى من الحب! وإنها لحرب اقدس من السلم! فما دمنا عبيدا ضعفاء فدعوتنا العالم إلى الإسلام ليست من الفضيلة في شئ اكثر من فضيلة العفو بغير اقتدار، حجة الذليل اللئيم! فلنصافح السيوف! فإذا تحررنا فلنصافح الأعداء! نحن نحب أوربا، ولذلك يجب أن نبغضها أولاً! نبغضها لنحاربها، ونحاربها لنتحرر منها، ونتحرر منها لنستطيع خدمتها بأحسن مما تخدم نفسها. نحن اصح الخلق أبداناً وأرجحهم عقولاً، وأحسهم أرواحاً، فلو فكت عنا أغلال القوة الغاشمة لسبقنا العالمين في مضامير العمران، ولأسبغنا على العلم من دماثة أخلاقنا ما يروض أوابده ويصرف أعنته على اكمل وجوه الخير والصلاح. ولكننا، دون هذه الأمم الحرة أمة شلتها قيود التقاليد الرثة والتعصبات المقيتة، كلما فتحنا عيوننا على عيوبنا وحاولنا تحطيم أصفادنا لتسري فينا الدماء، ونعود فنعد في الأحياء، احكم الظلم وثاقنا، وضاعف إرهاقنا وألقى بنا في مطارح الخسف والهوان، طرحك الخرق البالية في القمامات!

فيا أبناء وطني - لكم تجدون بينكم من دعاة الاستعمار، نفرا يدعون الحكمة ويتكلفون الوقار - يجلس واحدهم جلسة الوثن متر صنا جامدا، كأنما ركز المصور أو المزين رأسه على شكل لا ينحرف عنه. ثم يبسط كفيه على ركبتيه، ويزوي بين عينيه، ويقول خافضا صوته: - مالكم ولهؤلاء الشعراء، إن هم إلا صبية أغرار، يحرضونكم على المطالبة بالحرية، ولا سلاح لديهم غير ألسنتهم وأقلامهم، فيجلبون عليهم النقمة ويسوقونهم إلى الهلاك. . . إلا اعرضوا عنهم! كلوا أمركم إلى ولية الأمر فيكم، إنها أمكم الحنون، وحاشا لامكم الحنون أن تريد بكم شرا. . . إنها تهي لكم خيرا جزيلا. تدربكم على الحرية، فإذا صرتم لها أهلا وهبتها لكم لوجه الله لا تبغي أجراً ولا شكورا، فأسعفوها في إصلاح نفوسكم تستقلوا، فالاستقلال رهن بأهليتكم، ووقف على استحقاقكم. إلى ما شاكل من عظات تخثر النفوس وتوهن العزائم، وتطفئ جذوة الحماسة في الصدور - أما أنا فأقول لكم: يا أبناء وطني لا يؤهلكم للاستقلال إلا الاستقلال نفسه. نفوسكم ضائعة. نفوسكم مغصوبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>