للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جدوها أولاً واستردوها ثم أصلحوها! فانتم مسؤولون عما لا تملكون؟

إن هؤلاء المضللين يلهونكم عن السعي إلى تحقيق مطلبكم الأسمى، ببهرج من وعد، وزيف من رجاء، لتلبثوا حيث انتم أو تمشوا القهقري. انهم يحاولون إقناعكم بأن العبودية وسيلة إلى الرقي، والرقي وسيلة إلى الاستقلال. انهم يعدون الجائع بقميص، ويمنون العاري بكأس ثليج، أرأيتم منطقا أسد من منطق المستعمرين؟ يا أبناء وطني! الاستقلال رهب من حمام، وطب من سقام، كما إن النقه درجه بين الداء والصحة، هكذا الحرية مرحلة بين العبودية والمجد. الاستقلال غاية بالنسبة إلى الرقي الذي انتم فيه، ووسيلة بالنظر إلى الرقي الذي تنشدون، فمزقوا هذه العصائب وحطموا هذه القيود ثم رودوا نجع الإصلاح، وحاضروا في أشواط الفلاح، فلا هدى للعميان، ولا عدو لمقعدين.

ولقد يقول الناقدون، ما شأن السياسة في الشعر؟ إن الشعر لأرفع من هذه الأباطيل. انه تنكب عن أغراض الدنيا وأعراض عن سفساف الحياة، وتلمس للمثل الأعلى. ثم يقولون من ناحية أخرى؛ - الشعر الحقيقي هو ما مثل الحياة اكمل تمثيل، والشاعر العظيم هو صورة محيطة الناطقة. هو دليل أمته الذي يتقدمها كعمود النور في ليالي محنتها. رافعا لواء الحق. هو بشيرها في الشدة ينعشها في الرجاء. ونذيرها في الرخاء يقيها مزالق البطر. فنقول لحضرات الناقدين: - أنا إذا وإياكم لجد متفقين، ولا خلاف بيننا إلا أن ما نسميه نحن وطنية أخطأتم انتم فدعوتموه سياسة. إننا في هذا الشعر لم نخض معارك انتخاب، ولا تدخلنا في أحزاب، ولكننا جهرنا بالحرية ونادينا بالاستقلال، وطالبنا بالحق ونشدنا العدل والحرية والحق والعدل ليست من أباطيل الحياة كما تزعمون، ولكنها من اشرف مبادئها وانبل غاياتها ولقد عبرنا في شكاوينا المحرقة عن اعمق جراحات امتنا المطعونة في صميم عزتها وإبائها، وأعربنا في صيحاتنا عن أسمى ما تغامر بلادنا في سبيل استرداده من شرف مروم، كما فوق النجوم، فبات سحيقا تحت أقدام الغزاة وسنابك خيل الغاصبين.

أما ذلك الشعر الذي تضحك فيه الحياة، وترن قوافيه بالحان الحب والغزل، وتعبق أنفاسه بنفحات الشباب، فله ساعات تخلص فيها النفس من أعبائها وتتناسى إلى حين ما هي فيه من شقاء، وقد اتفق لنا منه قدر معلوم سننشره في كتاب وحده، ولكنه على كل حال ليس

<<  <  ج:
ص:  >  >>