القرآن؟
لقد وضعت أعظم دستور للسريرة الإنسانية، وهو دستور الصدق، يا أصدق من عرف التاريخ من الرجال
أما بعد فقد ارتاض القول بعد جموح، وصار من السهل أن أحكم بأن النبوة عهد من عهود العظمة في الطبيعة الإنسانية، ولولا خوف الفتنة لزدت هذا المعنى تفصيلاً إلى تفصيل
محمد إنسان، ولكنه إنسان مظلوم، لأن أتباعه جردوه من فضل الاجتهاد في سبيل الخير والحق والجمال
وهنا تظهر مزية جديدة لذلك الرسول هي نكران الذات، فلو كان محمد رجلاً من أمثال فلان وفلان وفلان من الذين نقلوا أممهم من حال إلى أحوال لملأ الدنيا بالحديث عما وضع للحياة من أصول وقوانين
ولكن محمدا كان يحبّ أن يعيش مسكيناً وأن يحشر بين المساكين، وقد جزاه الله خير جزاء، فخصه بالعظمة في الحياة وبعد الممات
محمد بشرٌ مثلكم يا بني آدم، وقد دعاكم إلى التخلق بأخلاقه، ولم يكتف بذلك، بل دعاكم إلى التخلق بأخلاق الله إلا الكبرياء
فهل رأيتم إنسانية مثل هذه الإنسانية؟
محمد تحدث عن هفواته - إن كان له هفوات - ليدلكم على أن العظمة الحقيقية لا تكون إلا باتهام النفس والحذر من طغيان الأهواء
كان محمد يقول في صدر خطبته (أيها الناس) أو (يا عباد الله) وأنتم تقولون في صدور الخطب (أيها السادة) أو (سيداتي، سادتي)
فتأملوا الفرق بين العبارتين لتعرفوا أنه كان يبتعد عن تملق الأهواء.
استطاع محمد أن يتحدث عن هفوات الأنبياء، وعجزتم عن الحديث عن هفوات الزعماء
فاعرفوا - إن شئتم - أن عظمة محمد من الوجهة الإنسانية هي تمجيد الصدق والخوف من زيغ القلوب
قد تقولون: إن الله أوحى إليه أن يكون كذلك.
وأجيب بأن أكمل خصيصة من خصائص الرجال هي الصلاحيةُ لتقُّبل وحي السماء.