أي شعر فاتك وأنت تجعل السير في الأرض من واجبات الرجال؟ أي شعرٍ فاتك وأنت الذي أشار بالأفضلية في الإمامة لمن وهبهم الله حسن الوجه وجمال الصوت؟
أي شعرٍ فاَتك وكان شخصك الكريم قيثارة تتغَّنى بمحاسن الوجود؟
الآن عرفتُ لماذا يضن عليك بعض أتباعك بصفة الإنسانية،
إنما فعلوا ذلك لأنهم في ذات أنفسهم لا يؤمنون بعظمة الإنسانية، أما أنت فقد رميت بالكفر كل من يريد يخلع عليك ثوب الألوهية لأن الله خصك بأجمل مزية من مزايا الإنسانية وهي الصدق
لقد فكرتُ مرات كثيرة من الاقتراب من روحك فلم يعقني عائق لأن بيني وبينك وشيجةً من الإنسانية
ودعاني الشوق مرة إلى مسامرة خيالك فرأيتك إنساناً كاملاً لا تقع عينه على غير الجميل من شمائل الأصدقاء
وصحبتك مرةً في بعض غزواتك فهالني أن تكون رجلاً نبيلاً يصبر على الظمأ والجوع والأذى في سبيل الحق
وشهدتك وأنت تعاني الكرب من فضول الناس وتزيّد المنافقين وتقوّل السفهاء، فعرفت أنك إنسانٌ ممتاز، لأن الابتلاء بأذى الناس لا يكون إلا من حظوظ الممتازين بين الرجال
وشهدتك يوم الموت وأنت تواسي ابنتك فتقول: (لا كرب على أبيك بعد اليوم) فعرفت أن الكرب في الدنيا مقصور على عظماء الرجال
شهدتُ من أخلاقك وشمائلك ما شهدتُ، أيها الإنسان الكامل، فزدتُ اقتناعاً بأنك على خلقٍ عظيم
ولكن ما هي العظمة في خلقك، أيها الرسول؟
أنت رويت القرآن عن جبريل فيما يقول المؤمنون، وأنشأت القرآن فيما يقول الملحدون. وهذا القرآن فيه لوم كثير وجه إليك، فإن كان وحياً من السماء فأنت غاية الغايات في أمانة التبليغ، وإن كنت أنت منشئ ذلك الكتاب كما يتقول الملحدون فأنت غاية الغايات في أدب النفس، لأنك سجلت ما آخذت به نفسك في كتاب مجيد
وأين الرجل الذي يدين نفسه بنفسه كما صنعت أنت حين رويت القرآن أو حين أنشئت