أتدري لماذا أحبك أيها الرسول؟
أحبك لأنك جعلت الحرب في سبيل الحق شريعةً من الشرائع وهي مزية إنسانية، وكان الأنبياء من قبلك يكتفون بالتفكير في عجائب الملكوت!
أحبك لأنك أعلنت حبك لطيبات الحياة واحتقرت الرهبنة والانزواء في العابد والصوامع
أحبك لأنك انتقلت من المعلوم إلى المجهول
أحبك لأنك أعززت الشخصية الإنسانية يوم اعترفت بأنها صالحةٌ للخطأ والصواب
ولكن ما رأيك فيمن يقاومون الحرية الفكرية باسم الغيرة على دينك؟
ما رأيك فيمن لا يرضيهم أن تكون إنساناً يتذوق أطايب الحياة ويلهو أحياناً بالمزاح المقبول؟
ما رأيك فيمن يحاربون الفنون والآداب باسم الدين؟
ما رأيك فيمن يتوهمون أن الشخصية النبوية مجردة من البهجة والأريحية؟
ما رأيك فيمن يُخرِجون من فردوس العقيدة الصحيحة كل من يتَّسم بسمة الحب لأطايب الحياة؟
أنت حاربت الزهد، وحاربت العبوس، وحاربت اليأس، ولكن بعض الناس يرون الإيمان لا يكمل إلا عند من يغرقون في لجج المسكنة والكآبة والقنوط
كنت إنساناً أيها الرسول قبل أن تكون نبيًّا، وتلك الإنسانية هي التي فتحت صدرك للصفح عن هفوات الناس، وهي التي جعلتك تنظر إلى ضعفهم بعين العطف، وهي التي قضت بأن تذوق ملوحة الدمع في بعض الأحيان
أنت نزهت نفسك عن الشعر، الشعر المحبوس في قواف وأوزان، ولكني لا أنزهك عن الشاعرية العالية التي تواجه الوجود بنظر ثاقب، وقلب حساس
وكيف تخلو من الشاعرية وقد خلوتَ إلى مناجاة القلب في غارِ حراء؟
كيف تخلو من الشاعرية وقد كنت رجلاً فحلاً يجيد افتراع المعاني؟
أنا أعرف لماذا نزهت نفسك عن الشعر أيها الإنسان الحساس إنما نزهت نفسك عن الشعر لأن الشعراء في عصرك لم يكونوا عظماء الأرواح
وإلا فأي شعرٍ فاَتك وأنت تدعو إلى التفكير فيما خلق الله من غرائب وأعاجيب؟