وعداوة تمكنت بين أمتين، حتى ملوا مقارفة النزال، وكلوا من مقارعة النضال، ورغبوا في الأمن والطمأنينة والسلام، لم يجدوا وسيلة تقطع دابر العداوة فيهما، وتوثق روابط المحبة بينهما، إلا أن تتصاهر القبيلتان فتصيرا كأسرة واحدة، وتدخلا في عهد جديد تتوحد فيه المشاعر والعواطف، وتصح به الهمم والعزائم، وتقوى الرغبات والآمال
وعلى هذا الاعتبار الذي تقتضيه الطبيعة، وتشير به الشريعة، وتقره وقائع التاريخ، تقوم اليوم الصلة بين شعبين كريمين: بين مصر ذات المجد الخالد، وإيران صاحبة التاريخ التالد. والصلة بين مصر وإيران صلة قديمة منذ العصور الغابرة، فالتاريخ يحدثنا بأنه لما ظهر (كورش) مؤسس الإمبراطورية الفارسية العظيمة، فاندفع في الغزو والاستعمار حتى استولى على ليديا وميديا وآسيا الصغرى وتوغل شرقاً إلى شواطئ السند، خشيت الدول بأس الفرس، وعقدت ضدهم تحالفاً ضم بابل وليديا ومصر وبعض ولايات الإغريق، فنهض (كورش) العظيم للانتقام من الدول المتحالفة، فأعاد ليديا لطاعته، وفتح بابل من جديد، ثم مات وفي نفسه الرغبة في غزو مصر!
فلما تولى من بعده (قمبيز) عمل على تنفيذ الرغبة، فجاء بجيش جرار إلى مصر، وكانت مصر منيعة بالتحصين، ويقول مؤرخو الإغريق أنفسهم: إن أحد الجنود اليونانيين خان المصريين فدل الفرس على أسهل الطرق في اقتحامها، وبهذا استطاع (قمبيز) أن يفتح مصر بعد مقاومة شديدة، حتى لقد أسر ملكها (ابسماتيك الثالث)، واشتط في معاملة المصريين، فأذاقهم ألواناً من القسوة الحنق، وهزئ بديانتهم فهدم المعابد والهياكل، وقتل بيده العجل أبيس في أحد الاحتفالات الدينية
فلما تولى (دارا الأول) أراد أن يصلح ما أفسده (قمبيز)، فزار مصر، وأبدى احتراماً عظيماً لديانات المصريين ومعبوداتهم، حتى لقد شيد هيكلاً فخماً بواحة سيوة لمعبودهم آمون، وبنى كثيراً من المدارس ودور العلم، وعضد التجارة ففتح الخليج الموصل بين النيل والبحر الأحمر، وأصلح طريق قِفْطْ المار بوادي الحمامات، وعلى الرغم من هذا كله فقد انتهز المصريون الفرصة في هزيمة (دارا) مع الإغريق في موقعة (مرتون)، فخرجوا على طاعته، واستردوا استقلالهم بزعامة أمير من الوطنيين، ولكن الفرس عادوا إلى غزو مصر ثانية في عهد ملكهم (إجزرسيس)، فقابلهم المصريون بالثورة والتمرد. وهكذا ظل