الفرس على الرغبة في استعمار مصر، وظلت مصر في الثورة على هذه الرغبة حتى جاء الفاتح العظيم الإسكندر الأكبر فطوى مصر وفارس فيما طوى من الأمم والشعوب
تلك هي صلة مصر بفارس في التاريخ القديم، وهي كما ترى صلة الفتح والاستعمار، ورغبة السيطرة وبسط النفوذ. فلما كان مطلع التاريخ الحديث اتصل المصريون بالفرس اتصال محبة ووفاء واحترام، فتمكن الود بين السلطان الغوري والشاه إسماعيل الصفوي على دفع الخطر العثماني الداهم، فسمح الغوري بأن يمر بطريق الشام الوفد الذي أرسله الشاه إلى البندقية لعقد محالفة على محاربة العثمانيين، ولما زحف السلطان سليم الأول على بلاد الشاه وأراد أن يكتسح فارس بأجمعها، وجد الشاه قد أتلف كل ما خلفه في المدن والقلاع من المئونة والذخائر، فأرسل السلطان سليم في طلب المدد والزاد من بلاده، ولكن قبائل التركمان وإمارة الغادرية التابعة لمصر أغارت على قوافله ومنعت وصولها إليه، فقلت الأقوات في معسكره، واضطرب الأمر في جيشه، وحرم لذة انتصاره، فأسرها السلطان في نفسه، وكانت مما تعلل به في غزو مصر وضمها إلى خلافة آل عثمان
واليوم ترتبط مصر وفارس برباط المصاهرة الكريمة، أعني رباط القرابة والنسب، والود والألفة، وإنه لوضع ثابت في الاختلاط بين الشعبين، وعهد جديد في التعاون بين الأمتين الخالدتين، وميثاق صريح صحيح يؤكده دعامتان:(دين) يوحد بيننا في المشاعر والأفكار والعواطف والميول والأخلاق والعادات، (وثقافة) مستمدة من تعاليم الإسلام، وسياسة القرآن، وكل ما خلف العرب من أفانين العلوم والمعارف. والدين والثقافة عند علماء الاجتماع هما أهم المبادئ التي تحفظ كيان الأمم، وأقوى العناصر في تكييف حياتها ورقيها. أليس بفكرة الإسلام وحدها استطاع محمد صلوات الله عليه أن يجمع شمل تلك القبائل المتفرقة المتخاذلة، وأن يخلق منهم تلك الدولة العظيمة التي دوخت العالم، وتبوأت أرفع مكان في التاريخ؟!
ولاشك أن الشرق اليوم هو اللقمة السائغة التي يتقابل على التهامها أمم الغرب، ولاشك أنه لا طاقة للمسلمين بدفع هذا الخطر ولا قائمة لهم إلا بتبادل الشعور والعواطف، وإحكام الروابط والصلات، والرجوع إلى وحدة إسلامية لا مناص من الرجوع إليها كما يقول أستاذنا المراغي. ولاشك أن هذه الصلة الوثيقة بين مصر وإيران، قد قربت الوصول إلى