وألا يتعصب لمذهب أو رأْي تعصباً يعميه عن نظر ما عسى أن يكون فيه من الثلم أو يرد عليه من الاعتراضات، وأن يكون دائماً حريصاً على استقلاله العقلي وحريته الفكرية، مستعداً لأن يصحح ما يتضح له أنه مخطئ فيه، معتقداً أن ليس بعد الحق إلا الضلال.
وبناء على هذه الكليات يرى الإسلام أن الناس ماداموا كلهم متشابهين في الخلقة، ومتساوين في الميول والعواطف، فلا يصح أن تكون لهم أديان متعددة لم بفرق بينها إلا أهواء القادة وأوهام الزعماء، فإنما هو دين واحد، دين الفطرة المؤيد بالعقل والنظر، المنزه عن الظنون والوساوس، الجامع لكل ما حصلته الإنسانية في أدوار حياتها من مذخورات أدبية، وفتوحات روحية، فقال تعالى:(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) وقال: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)
وأما من ناحية الحركة العقلية فإن الإسلام قد رفع من شأن العقل ونوه بسلطانه، إلى حد أنه اعتبر الذين لا يقيمون له وزناً في تقدير قيمة عقائدهم دوابَّ تحقيراً لهم، فقال تعالى:(إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون). وعد الذين لا يستخدمون حواسهم الظاهرة في النظر والتأمل، ومشاعرهم الباطنة في الاستدلال والتعقل، أنعاماً بل أضل. قال الله تعالى:(لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون)
وشفع الإسلام كل هذا بالتحضيض على طلب العلم والتحريض على تصيد المعرفة من كل المظان التي يتخيلها العقل، من النظر في الكون والتأمل في الكائنات، والتنقيب عن مساتير الخليقة والسريان في سرائر الوجود، في السماء وأجرامها، في الأرض وعوالمها، في الحيوانات وعجائبها، في النباتات وبدائعها، كل ذلك لبناء الشخصية الإنسانية وإبلاغها إلى ذروة الكمال المقدر لها. ولقد رفع من شأن العلم في نظر الإنسان إلى حد أنه حصر فهم آيات الله وإدراك مراميها، وفهم مغازيها في أهل العلم، فقال تعالى:(إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) وقال: (إن في