وليس أدل على جرأة المرأة وشجاعتها من ذلك الحوار الذي دار بين معاوية وبين الدارمية، فقد روى القلقشندي (صبح الأعشى ج١ ص٢٥٩ - ٢٦٠) أن معاوية حجّ فسأل عن امرأة من بني كنانة تسمى الدارمية، وكانت سوداء كثيرة اللحم فجيء بها، فقال لها: ما حالك يا ابنة حام؟ قالت: لستُ لحامٍ أُدعى، إنْ عِبْتَني أنا امرأة من بني كنانة. قال: صدقتِ أتدرين لمَ أرسلتُ إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله. قال: بَعَثتُ إليك لأسألك علامَ أحْبَبْتِ عليًّا وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك. قالت: أما إذ أبيت، فإني أحببت علياً على عدْله في الرعية وقَسْمِه بالسوَّية، وأبغضتُك على قتالك مَنْ هو أوْلى بالأمر منك، وطلبك ما ليس لك بحق. وواليتُ علياً على ماُ عقد له من الولاية، وعلى حبه المساكين وإعظامه لأهل الدين؛ وعاديتك على سفك الدماء وَجوْرك في القضاء وحكمك بالهوى. قال: ولذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك. . . قالت: يا هذا، بهند كانت تضرب الأمثال لا بي. . . قال لها: فهل رأيتِ علياً؟ قالت: لقد كنت رأيته. قال: كيف كنتِ رأيته؟ قالت: رأيته لم يفتنه الملك لذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك. قال لها: فهل سمعت لكلامه؟ قالت: نعم! والله كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطَّست من الصدأ. قال: صدقتِ، فهل لكِ من حاجة؟ قالت: وتفعل إذا سألتك؟ قال: نعم! قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فْحَلها وراعيها. قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أُغَذِّي بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأصلح بها بين العشائر. قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أَحُلُّ عندك محل عليّ؟ قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسَّعْدان، وفتى ولا كمالك. يا سبحان الله أو دُونَه. فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعد بالحلم مني إليكم ... فمنْ ذا الذي بعدي يُؤَمَّل للحلم؟
خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد ... جزاك على حرب العدواة بالسِّلْمِ
ثم قال: أما والله لو كان علياً ما أعطاك منها شيئاً. قالت: ولا وبرة واحدة من مال المسلمين
وممن اشتهر من نساء العرب في ذلك العصر أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك، وبنت عبد العزيز بن مروان، وأخت الخليفة عمر بن عبد العزيز. قال المسعودي في مروج الذهب (ج٢ ص١٥٢ - ١٥٣): وفد الحجاج بن يوسف على الوليد في بعض نزهه،