صاحب القهوة فحسم الخلاف وشتم عويسا وأرضى الأفندي ببعض كلمات لا تخلو من تملق. وترك الكلب ثوب الغلام وذهب إلى سيده فنظر إليه مليا وهو يبصبص بذنبه ثم تمدد تحت أقدامه ونام.
وجاءني عويس يمسح لي حذائي كالمعتاد فمددت له قدمي في حركة آلية غير ملتفت إليه وأنشغل الغلام بالمسح وأنا بالتفكير وبعد برهة خاطبت عويسا ووجهي لا يفارق الكتاب. .
- من يكون هذا؟
فأجابني وهو منهمك في عمله.
- واحد حكيم لا طلع ولا نزل. يدعي أنه كان حكيمباشي في الجيش في الزمن الماضي.
- والآن؟
- على المعاش
ثم رفع رأسه إلي وقال:
تصور يا بيه أنه يريد أن يعطيني قرش تعريفة واحد في مسح حذائه ووضع شريط جديد له. وأي جزمة هذه التي مسحتها. ربنا لا يوريك أؤكد لك أن الورنيش لم يمسها منذ أن كان جنابه في الجيش. .
قرش تعريفة واحد نظير مسحة وشريط جديد. الله الغني يا سيدي. . هذا خلاف الخدمات التي أؤديها له بدون مقابل. ولو كان شخصاً فقيراً لقلنا نخدمه لوجه الله ولكنه رجل عاكم. عاكم تمام.
وسمعت الحكيمباشي يبصق بشدة على الأرض فخفف عويس من حدته وهمس قائلاً:
- تصدق بالله، لو ذهبت إلى بيته لظننت انك في مزبلة أو مربط بهائم. . . . . لم كل هذا والدنيا أخرتها موت. فضحك واردم على هذه السيرة. .
وغبت عن القهوة بضعة أيام. وبينما كنت مرة في الترام منهمكاً في قراءة (البلاغ) إذ شعرت بشخص يدخل العربة، وكانت مزدحمة بالركاب، ويحشر نفسه بين الجالسين وسمعت همهمة استياء من كل ناحية. ورفعت بصري لأرى من الداخل فوقع بصري أول وهلة على كلب اسود ضخم بشع الهيئة عرفته على الفور. ورأيت أمام مقعدي الحكيمباشي يمسح وجهه المحتقن المعقد ويشد حرملته على أكتافه ويدفع جاره وهو يدمدم. وتلاقت