أعيننا. وشعرتبأنني ابتسم له. وشاهدته يجيبني مجاملة بابتسامة سطحية خاطفة. وبعد لحظات قال لي مندفعاً:
- يدفع الواحد منا ستة مليمات لهذه الشركة الملعونة ليحظى بمثل هذه الجلسة المرهقة. نحن آدميون ولسنا بهايم حتى يحشروننا هكذا كأننا في عربة للحيوانات. لماذا لا يزيدون عربة على كل قطار في مثل هذه الأوقات. أقسم بالله ان سوارس الذي تدفع فيه ثلاثة مليمات فقط أحسن ألف مرة من هذا الترام.
فوافقته موافقة تامة. وأخذت أذم له الشركة بدوري. فظهر على وجهه الارتياح وأخذ يناقلني الحديث بلهجة ودية ومن غير تكلف كأنه يعرفني منذ أعوام، وقال:
- لم تحضر إلى القهوة منذ أيام
- كنت مشغولاً جداً. لقد هجمت علينا الدروس.
- إيه يا بني لو كنت معنا في الجيش لأستصغرت من شأن مشاغلك. . كنت أنا لا أجد الوقت الكافي لأتناول كوب اللبن في الصباح.
- حضرتك خدمت في الجيش مدة طويلة؟
فأجاب بلهجة متزنة وهو يعبث بسلسلة ساعته. .
- ٤٥ سنة، ٤٥ سنة وأنا أعيش في الخيام وعلى ظهور الجياد. أضمد جروح الجرحى وأعنى بالمصابين. ثم أخرج بعد هذه الخدمة الطويلة العريضة الشاقة بمعاش لا هو في العير ولا في النفير. . . لا مكافأة ولا يحزنون. .
ثم مال علي وهو يبتسم وقال:
- ألم تسمع المثل القائل: آخر خدمة الغز علقة.
وكان قد خلا مكان بجواره فنظر إلى كلبه الذي كان ممدداً تحت أقدامه وقال له وهو يفرقع بإصبعه. .
- كام هير جيمي. كام هير ماي دير.
وأشار له إلى المحل الخالي، فقام الكلب وبعد أن تمطى وتثاءب في هيئة شنيعة قفز بجوار سيده والناس يرمقونه بالنظر الشزر. وألتفت إلي الحكيمباشي وقال وهو يلاطف كلبه. .
- لم أر في حياتي كلباً وفياً كجيمي هذا. أنه إنسان وليس بحيوان. لقد إستغنيت به عن