فيكون قد قضى بالقاهرة حتى وفاته أكثر من اثنين وأربعين عاماً؛ فهو مواطن مصري انقضت على وفاته تسعة قرون كان فيها اسمه مغموراً غير مشهور لا تذكره المحافل العلمية الشرقية ولا تشيد بذكره؛ فمن الواجب علينا ومن الإنصاف له ونحن نحتفل بالسنة الهجرية الجديدة أن نحيي ذكراه في وقت نحن أحوج ما نكون إلى الإشادة بذكر السلف الصالح وإلى الكشف عن أعمالهم ومؤلفاتهم لتنشط الهمم ولنصل بين ماض تليد وحاضر مرتقب النتائج معقود عليه الرجاء أن يتفتح عن مستقبل حافل بالعلم والعرفان. ويمتاز الحسن بن الهيثم في بحوثه الفيزيقية عن سواه من الفلاسفة الذين عاصروه أو تقدموه ممن كتبوا في العلوم الفيزيقية، فقد كان له منهج علمي اتبعه في بحوثه يتلخص في: المشاهدة والتجربة والاستنباط. وفي ذلك يقول جورج سارتون في كتابه (مقدمة لتاريخ العلوم): وهو أعظم عالم فيزيقي مسلم وأحد كبار العلماء الذين بحثوا في البصريات في جميع العصور. وقد كان فوق ذلك فلكياً ورياضياً وطبيباً، وله شروح على مؤلفات أرسطو وجالينوس؛ والترجمة اللاتينية لكتابه (المناظر) وهو أهم مؤلفاته - كان لها أثر عظيم على العلم في الغرب وخصوصاً على روجر بيكون وكبلر وفيها يتجلى الرقي العظيم الذي وصلت إليه الطرق التجريبية) ويقول في ذلك أيضاً إيفور ب هارت في كتابه (الفيزيقيون العظام): (وقد أدخل تحسيناً ذا شأن في جهاز بطليموس لقياس زوايا الانكسار في الأوساط المختلفة، وقد كانت طرائقه في الحقيقة تذكارات ماضية لطرائق البحث العلمي في معاملنا في الوقت الحاضر.
ونحن نعرض الآن لبعض أجهزة للحسن بن الهيثم استخدمها لإثبات بعض الظواهر الضوئية، ونذكرها على سبيل المثال لا الحصر، لأن التجارب ابن الهيثم التي تضمنها كتابه (المناظر) أكثر من أن تحصى. وسيكون بحثنا في هذه الناحية التجريبية التي بز بها ابن الهيثم غيره من العلماء الفيزيقيين بحثاً مقارناً فنذكر تجاربنا الحديثة وأجهزتها ونقرنها بتجارب ابن الهيثم موضحة بالأجهزة التي استخدمها
أولاً: الضوء ينتشر على سموت خطوط مستقيمة
إذا وضعت جسما معتما بين عينيك ومنبع ضوء صغير يبعد بمسافة قصيرة فإنك لا ترى الضوء إذا كان الجسم والمنبع والعين على استقامة واحدة؛ وإذا نظرت إلى شعاع ضوئي