نافذ من ثلمة من نافذة حجرة مظلمة تشاهد مسير الشعاع داخل الحجرة في خطوط مستقيمة. والحقيقة أن الضوء في ذاته لا يرى، ولكن الجسيمات الصغيرة المبعثرة في الهواء هي التي تعكس الضوء إلى العين وتساعدها على تتبع مسيرها. وإذا راقبت مغرب الشمس عندما تختفي تحت الأفق تشاهد أن الأشعة المنبعثة منها تكون في خطوط مستقيمة؛ ويمكنك أن تثبت هذه الظاهرة عملياً بعدة تجارب نقتصر منها على ما يأتي:
خذ ثلاثة أفرخ من الورق المقوى ا، ب، ج (شكل ١ - ١) واثقب كل منهما بثقب في وسطه، ثم ضعها رأسياً على حوامل ثلاثة بحيث تكون الثقوب على استقامة واحدة. أشعل شمعة (ش) وضعها أمام الثقب الأول ثم انظر من خلف الثقب الثالث عند (ع) تر الشمعة. أزح أحد الأفرخ في أية جهة لا تر الشمعة. وهذا يدل على أن الضوء ينتشر في خطوط مستقيمة في الوسط المتجانس (الوسط هنا الهواء طبعاً)
وإليك شرح ابن الهيثم لهذه الظاهرة وتجربته التي أثبت بها صحتها:
(. . . فأما كيف يكون نفوذ الضوء في الأجسام المشفة فهو أن الضوء يمتد في الأجسام المشفة على سموت خطوط مستقيمة، ولا يمتد إلا على سموت الخطوط المستقيمة، ويمتد من كل نقطة من الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الجسم المشف المجاور للجسم المضيء. وهذا المعنى قد بيناه في كتابنا (المناظر) بياناً مستقصي، ولكنا نذكر الآن منه طرفاً يقنع فيما نحن بسبيله، فنقول: إن امتداد الضوء على سموت خطوط مستقيمة يظهر ظهوراً بيناً من الأضواء التي تدخل من ثقوب إلى البيوت الظلمة، فإن ضوء الشمس وضوء القمر وضوء النار إذا دخل في ثقب مقتدر إلى بيت مظلم، وكان في البيت غبار أو أثير في البيت غبار فإن الضوء الداخل من الثقب يظهر في الغبار الممازج للهواء ظهوراً بيناً، ويظهر على وجه الأرض أو على حائط البيت المقابل للثقب ويوجد الضوء ممتداً من الثقب إلى الأرض أو إلى الحائط المقابل للثقب على سموت مستقيمة). وبعد هذا الشرح يدلي ابن الهيثم بالتجربة فيقول (شكل ا - ب): (وإن اعتبر هذا الضوء الظاهر بعود مستقيم وجد الضوء ممتداً على استقامة العود، وإن لم يكن في البيت غبار وظهر الضوء على الأرض أو على الحائط المقابل للثقب، ثم جعل بين الضوء الظاهر وبين الثقب عود مستقيم، أو مد بينهما خيط مدّاً شديداً، ثم جعل فيما بين الضوء