للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تشييعه لجنازته بنفسه أكبر برهان على مكانة الموسيقي وقتئذ. وقد كان الوليد عالماً بصناعة الألحان عازفاً بالعود موقعاً بالطبل والدف

وقد سرى تيار هذا الاهتمام إلى الأشراف والنبلاء حتى أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان لا يستريح إلا إذا سمع (سائب خاثر) فينشط. وسكينة بنت الحسين رضي الله عنها وعن أبيها، كانت مشغوفة بالغناء والموسيقى، وكانت تكرم الغريض، وكان بيتها منتدى لسماع الموسيقى والغناء، وقد طُلِب منها مرة أن تستدعي (حنين الحيري) مُغَّني (الحيرة)، فاستدعته مع أشهر المغنين في الحجاز ابن سريح، ومعبد، والغريض. وقصد الأربعة بيتها فحفلت الدار بالناس حتى ضاقت بهم، فصعدت شراذم منهم فوق (السطح) وأخذ حنين يغني ويغني والناس تموج وتهتف، وإذا (بالسقف) يهوي بمن فوقه على رأسه فمات مخنوقاً. فقالت السيدة سكينة: (لقد كدر علينا حنين سرورنا. انتظرناه مدة طويلة كأننا والله كنا نسوقه إلى منيته)

وفي العصر الأموي ابتدأت حركة التأليف الموسيقي فوضع يونس الكاتب (كتاب النغم) و (كيان القيان)

أما في العصر العباسي ذلك العصر الذهبي للموسيقى والأدب والشعر فقد سمت فيه الموسيقى سمواً عظيماً وارتفعت إلى ذروة المجد، وزادت مقاماتها وطرائق إيقاعها حتى تعددت في اللحن الواحد وكثرت الآلات وتنوعت وكثر استعمالها

وأصبح العربي يفخر بأنه موسيقي حتى أن أبناء النبلاء انخرطوا في سلكها، فكان منهم ابن جامع القرشي. بل زاد اهتمامهم إلى حد الاعتراف كإبراهيم بن المهدي. .!

والخليفة الواثق كان من أحذق الخلفاء بل من الموسيقيين المحترفين أنفسهم بالغناء والعزف على العود، وقد قال في إسحاق الموصلي:

(ما غناني إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد لي في ملكي. . وإن إسحاق لنغمته من نغم الملك التي لم يحظ بمثلها، ولو أن العمر والشباب والنشاط مما يشترى لاشتريتهن له بشطر ملكي) (الأغاني) وإسحاق هذا هو أول من عني بإثبات قواعد الموسيقى العربية ونظرياتها بعد يونس الأكوي وجاء بعده الخليل بن احمد فصنف كتاب (النغم والإيقاع) ولكن الذي بزهما هو إسحاق ابن يعقوب الكندي الذي ألفَ عدة كتب في الموسيقى ونظرياتها؛ وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>