للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدرامات السبع الباقية فقط من إسخيلوس، والسبع الباقية من سوفوكليس، والثماني عشرة الباقية من يوريبيدز هي ثروة فائقة من تراث هذه الفترة، والقارئ يقف حيالها ذاهلاً لعمق التفكير وجمال الأداء؛ وقوة السبك، وسمو الغاية والخلو من الزيف والبهرج. . . وهي مع ذلك ليست أجمل ما أبقت عليه يد العفاء من الثروة الضائعة، إذ أن أكثر الدرامات التي فاز بها الشعراء بالجوائز الأولى ما تزال مفقودة، والأمل معقود على نجاح الكشف في أسكندريتتنا للحصول على الغرر والدرر من نتاج الذهن اليوناني العظيم.

وقد لا نجد في تاريخ الأدب المسرحي فترة تشبه هذه الفترة اليونانية إلا فترة الأربعين الذهبية في تاريخ الأدب الإنجليزي في عصر اليصابات، فقد كتبت ومثلت في هذه الفترة جميع درامات شكسبير ومارلاو وبن جونسون وبومون وفلتشر وماسنجر وويستر وهايود. . . الخ. . . غير أن الشعراء الإنجليز في هذه الفترة كانوا على كل حال تلاميذ هذا السلف الصالح من شعراء أثينا، وكثيراً ما سطوا على آثارهم واستباحوا أخيلتهم واستعملوا طرائقهم التي أوفوا بها على الغاية.

وكما تتشابه الفترتان في الإنتاج الأدبي للمسرح فكذلك تتشابهان في الباعث على النهضة الأدبية في كل منهما. فلقد كان الباعث في الفترة اليونانية هو هذه الحرب الضروس التي شنتها فارس على اليونان والتي كانت مرحلتها الأولى في مراثون، ومرحلتها الثانية في سلاميس حيث حطم أسطول إجزرسيس، مما أيقظ الروح القومي في هيلاس وأجج نيران الوطنية في قلوب الأثينيين خاصة، فجاءت النهضة الأدبية المسرحية وليدة هذا الروح.

أما الفترة الإنجليزية فقد جاءت عقب تحطيم الأرمادا الأسباني اللجب الذي أعده فيليب الثاني لغزو إنجلترا. . . وهذا التشابه في الباعث في الفترتين يدل على ما بين الوطنية والأدب من وشائج قوية يزيدها النصر قوة ويمهد لها بمزيج عجيب من الحماسة والكبرياء يقابله مزيج آخر من المآسي والآلام.

وبعد، فماذا صنع إسخيلوس من هذا كله؟ وكيف ثار ثورته على الماضي العتيق وشاد هذا البنيان الشامخ؟ وما هي هذه المثل التي كان ينشدها ويعمل على إقامتها لتكون نبراساً للذهن اليوناني؟ وإلى أي حد نجح في جهاده الشاق الجميل الطويل؟ ومن يا ترى كان عونه في هذا الجهاد المشكور المبرور؟ وكيف يستطيع كاتب أن يستعرض كل هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>