- هلم يا خبيب، استعد للموت، إنه ليزعجنا أن تبقى حياً إلى اليوم، ولولا الأشهر الحرم لقتلناك يوم أسرك.
فرفع خبيب رأسه، ونظر إليهم طويلاً، وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيه، ثم أطرق ولم يجب.
ولما خرجوا به إلى ساحة الإعدام وأجمعوا على قتله التفت إليهم قائلاً:
- هل تأذنون لي أن أركع ركعتين قبل أن أموت؟
فنظر بعضهم إلى بعض في دهشة وعجب وقالوا: أتصلي وأنت على هذه الحال؟ ألا ترى الخشبة التي سنصلبك عليها؟ ألا ترى رماحنا ونبالنا مصلتة عليك؟ ألا تبكي وتطلب الصفح والعفو؟ افعل ما شئت.
فقام خبيب بين يدي الله، متوجهاً بقلبه وجوارحه إليه وصلى صلاة كلها اطمئنان وكلها خشوع، لم يضطرب قلبه، ولم يتلجلج لسانه، ولم يتبدل لون وجهه، وكان في صلاته هادئاً ساكناً آمناً ولما انتهى التفت إليهم وقال بصوت هادئ عذب:
- والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً ثم أنشأ يقول:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي ... وما جمع الأحزاب لي حول مصرعي
وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد ذرفت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزعّ
فلست بمبدِ للعدوّ تخشعاً ... ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي
ولم يكد يتم الأبيات ويستغفر الله ويذكره حتى رفعوه على الخشبة وأوثقوه بها فقال:
- اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يفعل بنا.
وبدأ المشركون يرمونه بنبالهم ويطعنونه برماحهم، فلما بضع لحمه وسال دمه قالوا له: