للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- هذا ما أعجب له، وأقسم أنني غير واهمة ولا متخيلة، وما أدري تفسير ذلك.

ونهضت ماوية فحملت ما عندها من طعام، ودخلت به على السجين، ووضعته بين يديه، وانتظرت حتى أتم صلاته، فالتفت إليها وابتسم، وتناول الطعام من يدها دون أن يفوه بكلمة.

ولم يرق لماوية صمته فقالت له:

- هل لك من حاجة؟

فقال: لا، إلا أن تسقيني الماء العذب، ولا تطعميني ما ذبح على النصب، وتخبرني إذا أرادوا قتلي.

ولما علمت أن جوابه لن يتبدل، طمأنته وتركته.

- يا للهول! ماذا ترى عيناي؟ أهذا جزاء إكرامي لك وثقتي بك؟

- خفضي عليك يا ماوية، إنني لا أزال عند حسن ظنك بي.

- أتقول هذا، وابني في حضنك والموسى في يدك؟ ليتني لم أعرك هذا الموسى.

فابتسم الأسير وأجابها قائلاً:

- لا تغضبي هكذا يا ماوية، إنني لم أطلب منك إعارتي هذا الموسى لأقتل به ابنك، معاذ الله أن أفكر في هذا العمل الشائن، إن ديني يمنعني من ذلك يا ماوية، وما كنت لأفعل ذلك ما حييت؛ ولكن ابنك حبا حتى وصل إلى، وجلس على ركبتي، وكان الموسى في يدي، فلاطفته وداعبته، ولم يخطر لي أن أمسه بأذى، ولعلك ذكرت واقعة الأمس فجزعت. . .

- أجل يا خبيب، ذكرت مزاحك بالأمس عندما طلبت مني أن أعيرك الموسى، وقلت لي عندما صار في قبضة يدك: قد أمكن الله منك. . . أتدري أنك أخفتني بهذا المزاح؟

- إنك لم تعرفيني بعد، ولا أراك تعرفيني إلا يوم تسلمين، فتنجلي لك إذا ذاك حقيقة المسلم. والآن دعيني وشأني، إنني أريد أن أستعد للموت، ألم تقولي لي إنهم أزمعوا قتلي اليوم؟

- بلى.

ولم تمضي ساعة حتى أقبل القوم يهرولون، حاملين حرابهم ونبالهم، وهم مستبشرون فرحون، ولما دخلوا على خبيب فكوا القيد من رجليه وقالوا له:

<<  <  ج:
ص:  >  >>