- أغار قومي على نفر من المسلمين فقتلوهم وأسروه وابتاعه بنو الحارث بن عامر، إذا يقال إنه هو الذي قتل الحارث يوم بدر، وأبقوه عندي حتى تنقضي الأشهر الحرم ليقتلوه.
- وكيف رأيت سيرته ومعاملته؟
- أشهد أنه لمن أفضل الناس وأشرفهم ما عهدت فيه الكذب ولا الفحش في القول، وما رأيت منه إلا اللطف والدعة والمعاملة الحسنة، ما دخلت عليه في ساعة من ليل أو نهار إلا رأيته يقوم ويقعد ويخر ساجداً، فسألته عن ذلك فأجابني: أنه يعبد الله ويصلي له، وهو يرتل كل ليلة كلاماً جميلاً يسميه القرآن بصوت عذب فتنني وفتن كل النساء اللائى سمعنه وإنهن ليجتمعن عندي في كثير من الأحيان فيسمعن صوته فيبكين وترق له قلوبهن، وإني لأقول له: هل لك من حاجة؟ فيجيبني قائلاً: لا، إلا أن تسقيني الماء العذب، ولا تطعميني ما ذبح على النصب وتخبريني إذا أرادوا قتلي.
- أهو كثير الجزع من الموت يا ماوية؟
- كثير الجزع؟ إني لم أره ذكر الموت إلا ابتسم وطرب، ولقد عجبت من حاله هذه فسألته عنها فقال: أو لا يسر ويطفر طرباً وسروراً من ينتقل من دار شقاء إلى دار نعيم وهناء؟ إنني إذا مت انتقلت إلى جنة عرضها السموات والأرض فلم لا أبتسم وأسر.
فحدقت المرأة في وجه مضيفتها وقالت متعجبة:
- عجيب أمر هذا الرجل، إنني لا أعرف رجلاً آخر بهذه الشمائل والصفات إلا أن يكون من أصحاب محمد.
فاقتربت ماوية منها وسارتها قائلة:
- إنني أقسم لك أنني رأيته أمس بعيني هاتين يأكل قطفاً من عنب وهو موثوق في الحديد ولا يدخل عليه أحد غيري وما أراك مصدقتي فيما أقول.
فضحكت المرأة وقالت:
كيف تريدين مني أن أصدقك يا ماوية وليس هذا أوان العنب وما في مكة كلها من ثمره شيء؟