وأن السمكة المتأملة لا ترى حبائل الشبكة أو قاع البحر أو أي شيء غير جيرانها من السمك الذي وقع مثلها في الحبائل. ولو أن السمكة المتأملة رأت كائناً آخر كالصياد أو شجرة أو شيء ثابت، أو لو أنها رأت الحبال نفسها لأدركت أنها هي أيضاً تناولتها الحركة بقدر ما تناولت السمك جميعه، وأن الأقدار شاءت لها هي أن تبتعد عن جاراتها بقدر ابتعادها عنها، وأنه ليس هناك مركز خاص للابتعاد، بل إنها وأخوتها جميعاً قد وقع لها نفس الحوادث.
أمران أود أن يعلقا بذهن القارئ:
الأمر الأول: هو أن السمكة المتأملة إن لم تر من الكون إلا الأسماك الستة عشر التي تحدد عوالمها، فلا أرضاً ترى ولا ماء ولا صياداً ولا شجرة، تصل إلى نتيجة تتلخص في ابتعاد كل الأسماك عنها بسرعة تتزايد كلما كانت المسافة بعيدة.
الأمر الثاني: هو أن السمكة العاقلة ترى من العوالم المحيطة بها حبائل الشبك ورمال الشاطئ، بل ترى الصياد والشجرة، وكل هذه أشياء ثابتة بالنسبة لها فتدرك أن أمراً آخر قد حدث: ذلك أن الحبائل كلها قد امتدت، وأن الحركة تناولتها والأسماك بدرجة واحدة فليس هناك فرار بالمعنى الأول، بل شاءت الأقدار أن تقع على كون هو حبائل الشبك، وأن هذا الكون يمتد.
قد نستطيع الآن أن ننتقل من حبائل الصيد إلى الكون، فكما أنه ليس هناك في الحبائل المتقدمة مركز ثابت بل إن كل جزء منها امتد فابتعدت كل سمكة عن الأخرى، وكما أنه يتراءى أن السمكة البعيدة تزيد سرعة ابتعادها عن سمكة معينة رغم أن جميع الأسماك تتناثر بقدر واحد، كذلك الكون لسنا فيه مركزاً لابتعاد العوالم، وهناك حيز يحملنا جميعاً هو الذي يمتد، ولا يمنع امتداده أن نلاحظ ازدياداً في سرعة العوالم كلما كانت بعيدة عنا.
هذه السمكة العاقلة اتخذتها مثالاً للكون الذي نعيش فيه، نحن كسمكة من ملايين ملايين الأسماك، ممتدة على حبائل أوسع من هذه، وهناك صياد ماهر لا نراه، يتصرف بالعوالم كما يتصرف صياد السمك بالست عشرة سمكة التي كانت من نصيبه، ويبحث العلماء فعل الصياد وأثر القوة الخفية التي تقوم بهذه العملية.
قد يعترض القارئ أن أسماكاً، في صفوف أخرى، تقترب في الوقت الذي تتناثر فيه الست