المتحركة مكتظة بالسامعين؛ وكان تسعة أعشارهم من الأوربيين، والعشر الباقي من المصريين الذين لا يسيغون ما يساغ من ذلك الغناء الشائع في بلادنا، إن صحت تسميته بالغناء.
وسألنا أنفسنا: أين يختلف الفنان وهما على حسب المفروض أو المظنون من معدن واحد؟
إن موسيقى شبراوس إحدى الموسيقات التي يصح أن تسمى غنائية بسيطة تمييزاً لها من الموسيقى العويصة المركبة التي يريدها عشاق فاجنر، أو الموسيقى العقلية الصافية التي يذيعها في هذا العصر ستافنسكي فإذا كانت هذه الموسيقى الغنائية لا تساغ في مصر فما الفارق بينها وبين موسيقى الغناء الشائع بين الجمهرة (السامعة) من سواد المصريين؟
الفارق أنك لا تستطيع أن تضع موسيقى شتراوس على لسان حيوان.
فهي تمثل المرح، ولكنه مرح الفكر الإنساني حين ينشط فيملى نشاطه على الحواس والأعضاء.
فالراقص على أنغام شتراوس إنما يرقص لأن له نفساً إنسانية قد شاع فيها السرور فنهضت بالجسم الذي هي فيه إلى الحركة الموزونة والنشاط المنسوق.
أما المرح الذي تمليه الأغاني السقيمة عندنا فهي تمثل الحيوانية كما مسخها الإنسان حين استغرقها كلها في الشهوة والخلاعة، والحيوان لا يعرف الخلاعة في الشهوات كما يعرفها الإنسان الممسوخ
ومرقصات شتراوس لا تخلو من بعض الشجا وبعض الأنين ولكن أي شجا؟ وأي أنين؟
شجا إنسان وأنين إنسان.
أنا هذه الشكايات التي نسمعها في الأغاني السقيمة فليس فيها قط ما يستكثر على حيوان.
فإن الحيوان ليحس الانقباض ويحس الألم، وإذا ضرب أو سقم فترجمت شكايته كلاماً عربياً فليس بالكثير عليه أن يقول (آه) وأن يذكر اللوعة والسهر والصيام عن النوم والطعام
أما الأنين الذي يريك فكراً يتألم، أو يريك معنى إنسانياً في حالة الشكاية والقنوط، فذلك شيء مختلف جد الاختلاف عن هذه الكلمات التي لا تعدو أن تكون صرخات حيوان، مترجمة إلى عبارات إنسان