ثم هو فيما يظهر لا يجعل الناس سواسية في حرية القول والتفكير التي يدعو إليها، وإلا فلماذا لا يترك للطلبة الحرية في أن يشكوا مر الشكوى أو حلوها ويقيموا القيامة إذا شاءوا على كتابين يطعنانهم في شيء يعزونه ويقدسونه ولا يريدون أن يسمعوا فيه طعناً ولا تجريحاً؟ أفمن الحرية أن يقرر في الجامعة من قرر دراسة ذينك الكتابين، ولا يكون من الحرية أن يشكو الطلبة منهما كي يستبدل بهما غيرهما من الكتب الأدبية الراقية الكثيرة الخالية من الطعن في الإسلام؟ أفيعاب الطلبة أو الشباب ذوو (العقيدة الحارة) أن يغضبوا لدينهم فيأبوا أن يقرءوا طعناً فيه، ويطالبوا بتحقيق المصلحة لهم من غير إلحاق مضرة بهم في الدين، ولا يعاب من اختار ذينك الكتابين للدراسة عن جهل بما فيهما أو عن استهانة بالشعور الديني في المسلمين؟
إن الذي يقرأ كلام توفيق الحكيم يظن أن الطلبة أكرهوا على ترك كتابين حبيبين إليهم خوفاً على الدين في نفوسهم من طعن ورد فيهما، ويفهم أن الكاتب يشير إلى أن هناك تعدياً على حرية التفكير والدرس باسم الدين. والأمر بالعكس، فحرية التفكير والدرس تقضي بالا يدرس ذانك الكتابان في الجامعة لأن الذي سخطهما هم الطلبة الذين يريد توفيق الحكيم لهم حرية الدرس والتفكير. فهل حرية التفكير والدرس عند توفيق الحكيم ليس معناها حرية الدرس والتفكير؟ إن الطلبة هم الذين شكوا أولاً إلى الأستاذ وأبلغ الأستاذ شكواهم إلى العميد، فلما لم يشكهم العميد اعتماداً على ما يعتمد عليه توفيق الحكيم من أن الدين لا خطر عليه جهروا بشكواهم للجرائد، فاهتم بالأمر شيخ الأزهر ووزير المعارف وكان أن سحب الكتابان. فإذا كانت هذه قيامة فمن الذي أقامها؟ من طلب تغيير الكتابين في هدوء بالطريق القانوني أم من أبى عليهم ذلك التغيير برغم كثرة الكتب الأدبية القيمة البريئة من الطعن في الدين؟
إن المناعة في العقيدة التي يطلبها الأستاذ الحكيم للطلبة وللناس هي بالفعل عند هؤلاء الطلبة الذين أبوا ذنيك الكتابين. وما هي المناعة في العقيدة إن لم تكن هذا الإباء إباء الإصغاء للطعن في الدين من غير موجب ولا داع؟ وما هي إن لم تكن إقامة القيامة على كل ما يسئ إلى الدين في النفوس؟ إن أول ما يفعله الجسم امتناعاً على الأمراض هو ألا