يسمح لجراثيمها بدخول الجسم إن أمكن. ومن هنا تجمد الدم أو محاولته أن يتجمد على الجرح ليسده دون الجراثيم. ومن هنا المصفيات والمطهرات المختلفة في مداخل الهواء والغذاء إلى الأجسام. أما إذا دخلت الجراثيم فليس للجسم وسيلة إلى الامتناع منها إلا شن الغارة عليها وإقامة القيامة ضدها على حد تعبير الأستاذ توفيق الحكيم. وهذا بالضبط هو ما فعله الطلبة حين أحسوا من ذينك الكتابين بالجراثيم التي تتهدد صحة العقيدة والدين فيهم. وقد كتب الله لهم النصر في الدور الأول من أدوار الامتناع والكفاح فسدوا الجرح الذي يمكن أن تدخل منه تلك الجراثيم، وكفاهم بذلك الحاجة إلى كفاح تلك المطاعن بعد دخولها في النفوس
ومن العجيب أن يشبه الأستاذ الحكيم قراءة المطاعن الدينية وعلاقتها بصحة العقيدة بالمعيشة في الهواء الطلق وعلاقتها بصحة الجسم. إنه تشبيه مقلوب على أقل تقدير. ولا ندري كيف أمكن أن يغيب خطؤه وخطله عن مثل الأستاذ! إنه لا يستقيم إلا إذا كان تعريف الهواء الطلق عنده أنه الذي تكثر فيه الغازات الفاسدة والجراثيم. فإذا لم يكن هذا تعريف الهواء الطلق عنده فأنا نرجو أن يرى بعد ما بين تنفس الهواء الطلق وقراءة المطاعن الدينية، كما نرجو أن يرى في ضيق صدور الطلبة بما في الكتابين من مطاعن دليلاً على فساد جوهما الروحي، كما يدل على فساد الهواء ضيق الصدور به عند المتنفسين
لكن لعل أعجب ما في مقال الأستاذ الحكيم جعله متانة الإسلام وثبوته على أحداث الزمان وسيلة إلى استئناس الناس لاستماع الطعن فيه بحجة أنه لا خطر على الإسلام من طعن الطاعنين؛ فإذا أبى الناس أن يستمعوا الطعن طاعن وغضبوا لدينهم عد ذلك الغضب منهم فزعاً، وقال هذا الفزع أكبر سبة لديننا العريق العميق. هذا غريب من القول وعجيب من الاستدلال. إن الإسلام متين ثابت حقاً، لكن متانته وثبوته لا يمكن عند المنطق السليم أن يكونا مبرراً لترك خصومة يعملون المعاول فيه اتكالاً على أنها لا تضره. إنها لا تضر مبادئه وأصوله في ذاتها ولكنها تضره في نفوس أهله الذين لا يهبون لدرء الأذى عنه حين يرون خصومه جادين في الاستهزاء به والطعن عليه. إن الذي يصيبه الأذى بالسكوت على الطعن في الدين هو التدين في نفس المتدين الساكت. وإذا استمر على السكوت