للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فسيسلمه من غير شك إلى الهلاك

ولست أدري كيف غاب عن الأستاذ الحكيم أن المسلمين لو كانوا راضوا أنفسهم منذ بدء الإسلام على ما يريد الآن أن يروضهم عليه من السكوت على الطعن في الدين ما ثبت الإسلام للأحداث ذلك الثبوت الذي يتخذه الآن حجة يخطئ بها الناس في غضبهم للدين. ولماذا نذهب بعيداً؟ لنفرض أن المطعون فيه من غير عقل ولا روية هو توفيق الحكيم وفنه ومقدرته. ولنفرض أننا خاطبناه بما يخاطب به الناس فطلبنا إليه ألا يغضب ولا يدفع عن نفسه ولا يدع أحداً من أنصاره يغضب له أو يدفع عنه، لأن فنه ظاهر العبقرية فلا خطر عليه من طعن طاعن مبطل، ولأن الغضب والدفاع يوقعان في الوهم أن فن توفيق الحكيم ضعيف لا يثبت على الطعن والتجريح؛ ولنفرض أنه وأنصاره عملوا برأيه هذا فلم يغضبوا له، ولم يدفعوا عنه، ماذا يبقي على هذا من فن توفيق الحكيم أو صيته بعد قليل؟ لا شيء، فسيألف الناس حتى أشدهم تعصباً له سماع القالة فيه، وسيهون أمره عليهم بالتدريج حتى يدخل عليهم الريب في أمره ويسلمهم الريب إلى تصديق كل ما قيل فيه

على أن الناس، مهما فاتهم بتغيير رأيهم في توفيق الحكيم من نعمة التسلي بفنه وقصصه، سيظلون هم الناس لم يمسس أرواحهم خطر ولا سوء. لكن ليس الأمر كذلك إن هم ألفوا الطعن في الدين وصاروا إلى الرضا به والسكوت عليه. إنهم سيهلكون حتماً في الآخرة إن لم يهلكوا في الدنيا، أو على الأقل هكذا يعتقد الناس. وسيعتقد ذلك معهم توفيق الحكيم حين يقرأ ما قرءوا من قوله تعالى: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. إنكم إذن مثلهم. أن الله جامع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعاً.)

والقيامة التي قال توفيق الحكيم إنها قامت ضد الكتابين في الجامعة ليست بأكثر ولا أقل من إصرار الطلبة على تغيير الكتابين المستهزأ فيهما بدين الله بآخرين ليس فيهم استهزاء. فماذا في طلبهم هذا يا ترى مما يجعل مثل الأستاذ الحكيم يسميه قيامة ويرسل من أجله سهامه على الناس من برجه العاجي؟

على أنه سواء أقامت القيامة بعملهم ذلك أم لم تقم فإن الطلبة الذين استجابوا لصوت ضميرهم في ذلك إنما كانوا عاملين بتلك الآية الكريمة من حيث علموها أو من حيث لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>