للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الناحية السياسية في مصر. وذلك أن مصر قد كفل لها استقلالها بشئونها الداخلية منذ أيام محمد علي باشا حيث تمكن من بعث البعوث والنهوض بمصر في مضمار الثقافة، ثم مضت البلاد في ذلك فيظل خلفائه إلى أن أظلها القرن العشرون فأتت النهضة أكلها. أما البلاد العربية فكانت تحت الحكم التركي المباشر حيث كانت الأمية ضاربة إطنابها في مختلف البلاد، وحيث كنت تبحث عن المثقف بمصباح ديوجين، ومع ذلك كان لبنان في مقدمة العاملين في سبيل النهضة الحديثة تحت لواء آل البستاني وآل اليازحي وآل المعلوف وغيرهم، هذا إلى ما قامت به الإرساليات الأجنبية من جهود لا تنكر، ثم تقلبت الظروف وإذا بنا في معركة حامية الوطيس بين الحلفاء وتركيا، تبع ذلك تمزيق أوصالنا إلى دويلات تحت دول متباينة في ثقافاتها. وكان من أثر هذا الصراع أن اتجهنا في حياتنا وفي تفكيرنا إلى حفظ كياننا السياسي - وهو أمر طبعي - قبل التوغل في العمل في الحقل الثقافي. ورغم هذه الظروف استطعنا أن نقطع في طور الثقافة شوطاً غير قليل

قد يقول قائل إن ما لقيته مصر لا يقل عما لقيته شقيقاتها، وفي هذا ما فيه من المغالاة إذ أننا إذا استثنينا الثورة العرابية والثورة المصرية الأخيرة لا نجد صراعاً مسلحاً أخذ بمجمع القلوب المصرية وشغلها عن كل ما عدا ذلك من شئون الثقافة هذه يا سيدي الدكتور الأسباب التي دعت مصر إلى أن تتقدمنا في طريق النهضة الحديثة، وهو في الوقت نفسه لا يدل على ضعف في عقليتنا أو خصب في غيرها، وإنما يعود إلى عوامل لا بد من مراعاتها قبل الحكم في هذه القضية. أما الإبقاء على تراث الجدود والمحافظة عليه فما من أحد ينكر على مصر قيامها به بل نرى من الواجب العض عليه بالنواجذ

وأخيراً يا سيدي الدكتور أستطيع أن أختم كلمتي حول هذا الموضوع بعتب إخوانك وقرائك عليك لحملتك التي خرجت في بعض مواطنها عن حد الاعتدال. وليتك وقفت من مثل هذه الدعوة التي وصلت إليك موقف الأستاذ (ابن عبد الملك) في تهجينها دون تجريح، وفي إنكارها دون جنف أو ميل لك أو عليك، فتكون بذلك قد تجنبت بعض الآثار التي ليس من الخير إثارتها الآن وأنت تعلم أننا أتوق إلى مطالعة آرائك ومنتوجاتك الأدبية من توقنا إلى مثل هذه المنازعات

(فلسطين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>