هل تؤملين في شيء؟ هل وجدت الحياة كما علمك باريك الأعظم؟
من لي بأن أسمع جواب ما سألت! ولكن، لا، لا، حسبي الذي أرى؛ إنك أنت أنت لأنك لا تجيبين؛ إنك أنت أنت لأني لا أعرف من أنت؛ حسبي من العلم ما تلهمني نفسي؛ إن ذلك أعمق أثراً في جناني من كل بيان!
هذا جسمك ينمو كل يوم شيئاً شيئاً، وهذه حركاتك تقوى وتشتد، وهذا صراخك يتنوع نبره وتختلف أنغامه؛ وغداً - إن شاء الله سيكون لك غد - ستكبرين يا صغيرة حتى تبلغي ما تبلغين؛ وكم يلذني أن أتمثلك في خاطري صبيةً وفتاةً وسيدة كما آمل أن تكوني؛ ولكن شيئاً واحداً هو أغلى من كل ذلك آمل أن يظل معك صبية وفتاة وسيدة؛ هو قلب الطفلة، وابتسامة الطفلة، ونظرة الطفلة، و. . .، وصمت الطفلة حين تضج الحياة من حولك وتصطخب، ويلتمس كل سؤال جوابه. . .!
ولكن، آه. . . إن حكمة المقادير لتأبى. . .!
هكذا كنا جميعاً، وهكذا صرنا؛ وكانت لنا حياة أين منها الحياة التي نعيش اليوم!
عيشي لي يا ابنتي واسلمي، وكوني ما تكونين؛ فأنت أول من أبوت، وأنت أول من علمني معنى الحياة. . .!
. . . لماذا تبكين يا بنية؟ هأنذا على مقربة منك، تملين عليّ وأكتب؛ تعالي بين ذراعي، إنهما على ما إنهما، لألين مسا على جنبيك من هذا الفراش الوثير!
. . . تبكين لأني منصرف عنك منذ ساعات إلى أوراقي أكتب؟ من علمك هذه الغيرة يا بنية؟ إن فيك لطباع الأنثى وإن لم تكونيها بعد!
ابتسمي لأبيك أيتها الصغيرة؛ لا تبكي؛ إنني أنا أبوك؛ لقد تعلمت منذ الساعة ما أنا، وعرفت ما علي من واجب؛ إنني لك منذ الآن، لا يصرفني شأن من شئون الحياة عن هذا الواجب إلا أن يكون سعياً إلى ما يصلح من شأنك. . .
تعالي تعالي علميني! إنني أنا والدك ولكنك أنت ولدتني يوم ولدت لأنك أنشأتني خلقاً آخر من يومئذ. . .
تعالي، قبلي أباك!. . لا تعرفين؟. . هذه قبلتي على جبينك يا صغيرة تذكرينني بها إلى معاد؛ وإنها لدين إلى أجل لا بد أن اقتضيه يوماً من شفتيك!