انظري إلي يا ابنتي وأَطيلي النظر، إن في عينيك سرًّا يلهمني ما لم تلهمني مشاهد الدنيا جميعاً منذ كنت إلى يوم عرْفتك!
حدثيني حديثك الصامت يا عزيزتي لعلي استشفّ من وراء حديثك سرَّ المجهول؛ ما أنتِ؟ وأين أنت؟ وما كان ماضيكِ؟ وكيف تأملين أن يكون غدك. . أأنتِ هنا أم أنت هناك؟
. . . شمس تشرق وتغيب، وليل يطبق وينجلي، ورياح تعصف وتهدأ؛ وإنسان يعبس ويضحك، ومعدة تمتلئ وتفرغ، وقلب صافٍ صفاء الحق أو عابس عبوس الضلال، وعيون فيها بريق الشهوات أو فيها دموع الألم، ووجوه سافرة ووجوه عليها نقاب. . . هذه هي دنيانا أيتها الصغيرة، فما هي دنياك؟
أتراك تعرفين يا عزيزتي الصغيرة؟. . . ما أرى صمتك الطويل يا بنيتي إلا حذراً ورقبة حتى تعرفي ما أنتِ في دنياك الجديدة. . .! تُرى من أدبك هذا الأدب يا بنيتي؟
سائح جوّال رمتْ به الأقدار إلى وادٍ غير واديه؛ ودنيا غير دنياه، وعيش لم يعش مثله فيما استدبر من حياة؛ ماذا يقول وكيف يتحدث. . . أهكذا أنتِ في صمتك يا عزيزتي؟
هذه أمك يا صغيرتي لم تحمل ولم تلد قَبلُ؛ علِّميها الأمومة يا صغيرتي، إنها لم تكن تعرف. . .!
هاهي ذي حانيةُ عليك صابرة على ما تعاني من أوجاع الأمومة الأولى وإن في عينيها لبريقاً لم أر مثله فيما رأيتُ من عينيها قَبْل!
مغتبطة سعيدة أن تضمك إلى صدرها في حنان ورقة وإن بها من الآلام ما يذهل كل ذات ولد!
وهاتان شفتاك الصغيرتان تبحثان عن شئ هنا. . . مَنْ علّمك أيتها الصغيرة أن هنا أودع الله ما أودع ليكون لك شبعاً وريِّا؟
ورأيتك تلقمين ثديها مغمضة العينين تناول الخبير الفطن، فأحسنت الرضاعة، وما تحسن أمك أن ترضع!
يا عجبا! الطفل الصغير يعلم أمه الأمومة قبل أن تتعلم هي أن تكون أماً!
في كل مرأى عين منك يا صغيرتي درس يهديني ويلهمني!
هل أنت سعيدة بدنياك أيتها الصغيرة؟ هل تتألمين لشيء؟