البهيقي قد تركه أيضاً أم لا؟ ويقول الرازي (ان كتابه المسمى (بمسند الشافعي) كتاب مشهور في الدنيا، ص١٤٦) كان اتجاه المذاهب الفقهية قبل الشافعي إلى جمع المسائل وترتيبها وردها إلى أدلتها التفصيلية عندما تكون دلائلها نصوصا.
وأهل الحديث لكثرة اعتمادهم على النص كانوا اكثر تعرضا لذكر الدلائل من أهل الرأي.
فلما جاء الشافعي بمذهبه الجديد كان قد درس المذهبين ولاحظ ما فيهما من نقص بدا له أن يكمله واخذ ينقض بعض التفريعات من ناحية خروجها عن متابعة نظام متحد في طريق الاستنباط.
وذلك يشعر باتجاهه في الفقه اتجاه جديدا هو اتجاه العقل العلمي الذي لا يعني بالجزئيات والفروع.
ويدل على إن اتجاه الشافعي لم يكن إلى تمحيص الفروع: ما نقله ابن عبد البر في (الانتقاء) من: إن احمد ابن حنبل قال: (قال الشافعي لنا: أما انتم فاعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث صحيحا فأعلموني أن يكون كوفيا، أو بصريا أو شاميا اذهب إليه إذا كان صحيحا) ص٧٥.
وطريقة علاجه لمسائل العلم تدل على منهجه قال أبو محمد بن أخت الشافعي عن أمه قالت: ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة أو اقل أو اكثر المصباح بين يدي الشافعي، وكان يستلقي ويتذكر ثم ينادي الجارية هلمي مصباحا فتقدمه ويكتب ما يكتب ثم يقول: ارفعيه، فقيل لأحمد: ما أراد برد المصباح؟ قال: الظلمة أجلى للقلب. مفتاح السعادة ج٢ص٩١.
وليس هذا النوع من التفكير الهادئ في ظلمة الليل تفكير من يهتم بالمسائل الجزئية والتفاريع.
بل يعني بضبط الاستدلالات التفصيلية بأصول تجمعها، وذلك: هو النظر الفلسفي.
قال ابن سينا في الشفاء (إنا لا نشتغل بالنظر في الجزئيات لكونها لا تتناهى وأحوالها لا تثبت وليس علمنا بها من حيث هي جزئية تفيدنا كمالا حكيما أو تبلغنا غاية حكيمة، بل الذي يهمنا هو النظر في الكليات).
وكان احمد يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة - واختلاف الناس -