وقد حاول الشافعي: ان يجمع أصول الاستنباط الفقهي وقواعدها علما ممتازا وان يجعل الفقه تطبيقا لقواعد هذا العالم.
وبهذا يمتاز مذهب الشافعي من مذهب أهل العراق وأهل الحجاز.
د - وضع الشافعي لعلم أصول الفقه.
إذا كان الشافعي هو أول من وجه الدراسات الفقهية إلى ناحية علمية فهو أيضا: أول من وضع مصنفا قي العلوم الدينية الإسلامية على منهج علمي بتصنيفه في أصول الفقه، قال الرازي: اتفق الناس على: إن أول صنف في هذا العلم - أي علم أصول الفقه - الشافعي وهو الذي رتب أبوابه وميز بعض أقسامه من بعض وشرح مراتبها في القوة والضعف.
وروى: أن عبد الرحمن بن مهدي التمس من الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقران والسنة، والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص فوضع الشافعي رضى الله عنه (الرسالة) وبعثها إليه.
فلما قرأها عبد الرحمن بن المهدي قال: ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل ثم قال الرازي: واعلم: أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة (ارسططاليس) إلى علم (المنطق) وكنسبة (الخليل) بن احمد إلى علم (العروض).
وذلك لأن الناس كانوا قبل (أرسططاليس) يستدلون ويعترضون بمجرد طباعهم السليمة لكن ما كان عندهم قانون مخلص في كيفية ترتيب الحدود والبراهين.
فلا جرم. كانت كلماتهم مشوشة ومضطربة فأن مجرد الطبع إذا لم يستعن بالقانون الكلي، قلما أفلح. فلما رأى (أرسططاليس) ذلك اعتزل عن الناس مدة مديدة واستخرج علم (المنطق) ووضع للخلق بسببه قانونا كليا يرجع إليه في معرفة الحدود والبراهين.
وكذلك الشعراء كانوا قبل (الخليل بن احمد) ينظمون أشعارا وكان اعتمادهم على مجرد الطبع فاستخرج (الخليل) علم (العروض) فكان ذلك قانونا كليا في معرفة قانون الشعر ومفاسده فكذلك هنا الناس كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل (أصول الفقه) ويستدلون ويعترضون، ولكن مكان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة وفي كيفية معارضتها، وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم (أصول الفقه) ووضع للخلق