في سجله، بعد أن يصل اسمه إلى مسامع جميع الساسة في ذلك العصر؛ وتنطوي السنون وتبقى ثورته صفحة من أهم الصفحات في تاريخ هذا البلد
أراد سعيد أن ينهض بالجيش، لا لأنه كان رجل حرب وأطماع، ولكن لأن الجيش كان ملهاته، فأمر بتجنيد أبناء المشايخ والأعيان، وكان من بين من جندوا ذلك الفتى الأزهري القروي الذي لم يكن له من عمل في قريته، وكان يومئذ في الرابعة عشرة
وبالتحاق عرابي بالجيش تبدأ مرحلة جديدة في حياته، ثم تنتهي من ناحية أخرى مرحلة تعليمه. ومن ذلك نرى أن كل ما ناله عرابي من المعرفة لم يعد ما تلقاه في المكتب ثم في الأزهر قبل سن اليفاعة، اللهم إلا ما كان من مطالعاته الخاصة فيما بعد وهي أمر لا يمكن تحديده. . .
ولطالما رمى عرابي بالجهل ثم عد هذا الجهل من أهم نواحي ضعفه، بل لقد كانت تلك الناحية في مقدمة ما يهزأ به منه خصومه، وبخاصة أولئك المؤرخون الأجانب الذين ينتابهم أبداً لذكر عرابي ما يشبه الحمى فيطلقون ألسنتهم فيه بلا حساب
ولست أحاول هنا أن أنسب العلم إلى عرابي فما أبعده عن أن يوصف بالعلم، ولو كان يفهم أهل عصره من مدلوله؛ ولكني من ناحية أخرى لا أراه من الجهل كما يصفون أو كما يسخرون، ذلك أني أقيسه إلى جمهرة المتعلمين في عصره من أهل مصر، وما كان لي أن أعدو ذلك فأقيسه إلى رجال جيله في أوربا إلا أن أعتبر مصر يومئذ في مصاف تلك الدول علماً وثقافة وحضارة. ولن توصف الشمعة لعمري مهما كانت ضئيلة النور بأنها مظلمة، ولا سيما إذا قيست إلى غيرها من الشموع وما على شاكلتها من المصابيح؛ أما أن تقاس إلى المشاعل القوية أو أن تنقل من ظلمة الليل إلى وضح النهار ثم يتحدث بعد ذلك عن مقدار نورها، فهذا ما لا يجوز إلا في حساب المغرضين والمبطلين
ومتى كان العلم الغزير من مستلزمات البطولة؟ ألا كم شهد التاريخ من أناس لم يكن لهم من العلم إلا مثل حظ الرجل العادي منه بحيث لو أنهم قيسوا من هذه الناحية إلى معاصريهم من العلماء والفلاسفة لكانوا في حكم العدم، ومع ذلك فلم ينل نقصهم هذا من بطولتهم أو يقعد بهم عن مواصلة السير إلى مثلهم التي رسموها؛ وذلك أن قلوبهم كانت عامرة بما هو أغلى وأعظم من نظريات العلماء وأحلام الفلاسفة. . . كانت قلوبهم عامرة