هي الشمس إلا أنها في شروقها ... إذا مزجت في كأسها اطلعت شهبا
يعض عليها التائبون بنانهم ... ويندب كل منهم عقله ندبا
وعلى كل فلا يتردد المرء بعد أن يقرا أوصاف الحلي أن يحكم له بان مرتبته في الصف الأول من شعراء الوصف في الأدب العربي أما الغزل فقد كبا فيه جواده وخانه ذكاؤه إذ العقل لا يغني وحده في هذا الميدان، وإنما مرد الأمر إلى القلب الخفاق والعاطفة المشبوبة، وشاعرنا لم يكن من فئة المحبين الذين يؤمنون باتصال الوجدان ويظلون في نجواهم باكين من هول الذكرى وألم الهجر وإنما كان رجلا حسيا يعترف حقا باللذائذ المادية ليس غير.
لهذا كان غزله قسمين متباينين، أولهما الغزل النسائي المألوف، والثاني غزل الولدان أو ما يسمونه بالغزل المذكر، ونأسف إذا نقول إن النوع الثاني كان ارق وأصفى وأدل على الصدق من الأول، ولكنا لاندهش كثيرا إذا ذكرنا مبادئه الخلقية التي وصفناها قبل؛ ويلوح لنا إن هذا الانحلال الخلقي لم يكن قاصرا عليه وحده وإنما كان ظاهرة عامة للولاة والأمراء الذين يستقلون في أطراف المملكة ببعض المناطق؛ لان وفرة المال وتحقق أسباب النعيم مع قلة الشواغل الادارية، كانت تغريهم بالعكوف على الملاهي والتمادي في الإباحة. أما غزله الأول ففيه جفاف وتكلف وترى عليه سمات التقليد واضحة ومما قاله في مذهبه:
خلياني من فترة النسوان ... وانعشاني بنشطة الغلمان!
ليس يصبو لربة الخال قلبي ... بل برب الأقراط جن جناني!
تلك هي الأغراض البارزة التي تستحق الدراسة في شعر صفي الدين، أما الأغراض الأخرى فهي لا تخرج عن السبل التي طرقتها إخوتها، وجملة القول فيها إن الزهد والألغاز ليسا إلا مثلين من التقليد والتكلف، لان الرجل كما عرفنا كان متهتكا مسرفا، وإنما أراد إن يعارض قصائد ابن الفارض وأمثاله من المتصوفة المخلصين، ولان نوع الألغاز ابعد ما يكون عن معنى الشعر. وهو، وان أجاد في الرثاء حقا، وأبدع في تصوير فجائع الموت!، نستطيع أن ندرك إجادته فيما درسنا من مدحه، لان معناهما واحد وان اختلفا في مناسبة كل منهما مع الحياة أو الموت. غير انه أتى في باب الحكمة بكثير من التجارب الصادقة وآداب الاجتماع، فلم يبقى إذن غير المجون وهي ما نستميح القارئ أن يعفينا منه صونا لحياء القلم وحرصا على وقار (الرسالة).