وهاك امرأة، قد تملكتها نزعة صوفية، فبرزت في أسمال، وأطمار وطفقت ترفع عقيرتها منشدة الأغنيات الدينية فتجذب إليها جموع الناس، ثم توسعهم لوماً وتأنيبا على تقصيرهم في حق المسيح، حتى إذا انفضوا عنها ضاحكين هازئين عادت تغني مرة أخرى.
وهاك ملحداً يسفه الشرائع والأديان، وهاك عالماً يشرح للدهماء أصول علم النفس وقوانين الاجتماع.
وهاك حبشياً يثير حماس القوم ضد القوة الغاشمة، والأمة الظالمة، ويلجأ إلى سجايا الإنجليز الكريمة، وأريحيتهم ومروءتهم وتقديسهم للحرية ألا يدعو وطنه يذهب نهبة لأطماع الاستعمار، وقرباناً على مذبح الغدر بالعهود والحنث بالذمم.
وهاك سفسطائياً يبرهن على أن الإنجليز هم (شعب الله المختار) لا بني إسرائيل، وأنهم أولى الناس بحلم العالم.
وهاك نازياً، يبرق ويرعد، ويتهدد ويتوعد، ويهدر كالسيل الجارف، ويغزو الديمقراطية في عقر دارها، ويرميها بالتفكك والانحلال، والضعف والفساد؛ ولاتباعها أوهاماً وخزعبلات، وتعلقها بمثل لا تغني أمام جبروت المدفع شيئاً؛ ولما لأوشاب الناس فيها من أيد وقوة، فيتخلف عن دست الحكم ذو الرأي الرشيد، ويطفر إليه من لا يقيم للأمور وزناً؛ ويرمي المجالس النيابية بأنها ميدان للثرثرة وقتل الوقت، ويقول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
يا قوم، القوا أعنة أموركم ليد مصلحة سديدة، ففي ذلك العزة والمنعة، والعدل والمساواة، طهروا دياركم من اليهود الذين امتصوا دماءكم وأنتم في غفلة ساهون. ألم يسيطروا على صحفكم ويوحوا إليكم بما تعتقدون؟ ألم يخضعوا المسرح والخيالة لسلطانهم المالي، ويعرضوا عليكم ما يشاءون لا ما تريدون؟ ألم يغتصبوا ينابيع الثروة منكم، ويصيروكم فعلة مأجورين؟
إن آفات المجتمع - يا قوم - تجد المرعى خصباً ممرعاً، في ظل الديمقراطيات؛ حيث يتغنى الناس باسم الحرية فتوزع جهود الأمة، ويتفرق شيعاً، ويُشغَلون بالحزازات الحزبية عن السير في طريق الإصلاح والفلاح