هذا وأمثاله ليس غريباً أن يقع فيه مثل الدكتور زكي مبارك لأنه لم يقل هذا لقال كما تقول جماعة المسلمين. ولكن الغريب أن يقول الأستاذ عبد المتعال الصعيدي في خطابه:(والذي يعرفه المسلمون جميعا أن الوحي لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وسلم شأن في أمور الدنيا). هذا غريب من القول فيه غلو كبير من غير شك، وعبارته من غير شك أعم كثيراً من المعنى الذي إليه قصد. فتأبير النحل الذي ضربه مثلا ليس هو كل أمور الدنيا، ولا هو مثال لأهم أمور الدنيا، وإنما هو مثال لدنيا الناس التي يعرفونها بالتجربة من نحو حرث وزرع وسقي وصناعة، فهذه لم يأت الدين ليعلمهم إياها وإنما وجههم إلى البحث فيها ووكلهم في التفاصيل إلى نتائج بحثهم وتجاربهم. أما غير هذا النوع من أمور الدنيا فالإسلام قد هدى الإنسان فيه، وهداه فيه بالوحي، كما يعرف الأستاذ من الآيات الكثيرة المتعلقة بالأحكام في القرآن. فليست هناك ناحية من نواحي الحياة إلا وقد شملها الإسلام بهديه ووحيه حتى ما يأكل الإنسان وما لا يأكل، وما يشرب وما لا يشرب، وما يلبس وما لا يلبس، وما يبدي من جسده وزينته وما لا يبدي، وحتى الاستئذان قبل الدخول والسلام عند الدخول لم يهمل الإسلام تأديب الإنسان فيه. فإذا كانت هذه الأمور وأمثالها ليست من أمور الدنيا فما هي أمور الدنيا يا ترى؟
إن الأمثلة التي ساقها الأستاذ في خطابه على أنها من أمور الدين أكثرها من هذا القبيل كعتاب الله سبحانه لرسوله في إذنه في غزوة تبوك لبعض من استأذنه من المنافقين في القعود، وفي قبوله الفدية ممن قبل منهم من أسرى بدر. هذا كله من أمور الدنيا في الصميم. وإذا لم يكن القتال وأموره من أمور الدنيا فماذا يكون؟ طبعاً هذا كله أيضاً من أمور الدين، وهذا بالضبط هو الدليل الذي لا ينقض على أن أمور الدنيا في الإسلام جزء من أمور الدين
بقيت نقطة في خطاب الأستاذ كان يحسن أن يحتاط لها فيستتمها ولا يتركها كما تركها. فقد قال إن أكثر العلماء جوّزوا على النبي صلوات الله عليه الاجتهاد في أمور الدين بدون الوحي (وجوزوا عليه الخطأ فيها أيضاً) وسكت عند هذا. ولا عند هذا يكون السكوت، فإن إطلاق القول هكذا يوهم أن كثرة العلماء أو قلتهم ترى أن بعض أحكام الدين التي جاءتنا