معنى السببية، وفيه تجوز في معنى الكلام وعدم إجراء له على وجهه المتبادر. وإنما المعنى المفهوم الذي تدل عليه الألفاظ بوضعها الحقيقي الأول هو: إننا لم نكن غير حسني النية في الأمر الذي نحدثكم فيه وهو تصويب الرأي في البخل وعده حزماً وحيطة
هذا هو الأمر الذي بينهم وبينه وهو الذي بني عليه رسالته من أولها إلى آخرها. أفرأيت أيها القارئ أننا لم نكن بحاجة إلى جعل في للسببية وتفسير ما بينه وبينهم بالقرابة وهي لم يجر لها ذكر في الرسالة؟
في ص ٣٤ يقول سهل:(إن من أعظم الشقوة وأبعد من السعادة أن لا يزالُ يتذكر زلل المعلمين)
وفي الشرح يرتكب الشارحان خطأ ظاهراً بجعلهما أن في قوله (أن لا يزال) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لا يزال خبر لها. وقد تبع ذلك أن ضبطا الفعل يزال بالضم لأنه في نظرهما لم يسبق بناصب ولا جازم، كما تبع ذلك أيضاً أن فصلا أن من لا في الرسم لأنها حين لا تكون ناصبة تفصل من حرف النفي
ولسنا بحاجة إلى الإطالة في شرح هذا المقام وبيان ضرورة جعل أن مصدرية ناصبة للفعل، لأن شرط جعلها مخففة من الثقيلة أن تكون مسبوقة بيقين أو ظن، ولم يسبقها هنا شيء من ذلك
وهذه قصة صغيرة وردت ضمن رسالة سهل نوردها لحسنها في ذاتها أولاً، ولنذكر بعدها تعليقاً للشارحين على جملة منها أعرباها إعراباً غريباً ثم شرحاها شرحاً مضطرباً ينقض آخره أوله
وهذه هي القصة ص ٤٦
(حدث أحمد بن رشيد قال: كنت عند شيخ من أهل مرو لا تريده، هو مالح! قلت: هات من كذا وكذا قال: لا تريده، هو كذا وكذا، إلى أن عددت أصنافا كثيرة. كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إلي. فضحك أبوه وقال: ما ذنبنا؟ هذا من علمه ما تسمع. يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم)
أما الجملة التي نؤاخذهما على إعرابها وشرحها فهي (هذا من علمه ما تسمع) فقد أعرباها هكذا: هذا مبتدأ و (من علمه) جار ومجرور خبره وما بدل من ذا في هذا) وهذا الإعراب