خطأ لا يبرره أي تمحك مما اعتاد المعربون أن يلجئوا إليه، لأن الإعراب فرع المعنى كما يقولون
فلننظر قبل في المعنى الذي فهمه الشارحان من الجملة. قالا:(أي هذا الذي تسمعه ناشئ من علمه ولم يلقنه بل هو من سجيته)
وهذا كلام متناقض، كيف يكون الذي تسمعه ناشئاً من علمه ثم يكون لم يعلمه ولم يلقنه؟ وهل العلم إلا بالتعليم، فكأنهما قالا: تعلمه ولم يتعلمه فيكونان قد أثبتا شيئاً ثم نفياه في حال واحدة
إنما المراد لقائل الكلام هو أن هذا الذي بدا من كلام الصبي لم يصل إليه من طريق التعليم ولا التلقين وإنما هو وحي الطبع وإرشاد السليقة؛ وإذا كان كذلك فهو غير داخل في باب التعليم وإنما هو إلهام وغريزة مركبة في النفس. وحضرتا الشارحين أولى منا بفهم الفرق بين الغريزة والكسب لأن هذا من مباحث علم النفس الذي طلباه في أوربا وبه امتازا على إخوانهما ونالا مناصبهما العالية
ومن أجل ذلك وجب أن تقرأ الجملة هكذا:(هذا من علمه ما تسمع) ويكون الكلام على الاستفهام الذي يراد به النفي وتكون الإشارة في (هذا) إلى الصبي. والمعنى أن هذا الصبي لم يعلمه أحد ما صدر منه في جواب الممتحن وإنما أجاب بما ركز في طبعه وثبت في نفسه من طبيعة البخل المتوارثة في قومه
في ص٦٦ في حديث بخيل عرف فضل ماء النخالة في شفاء السعال وفائدته في الغذاء، فقال لامرأته:(لم لا تطبخين لعيالنا في كل غداة نخالة فإن ماءها جلاء للصدر وقوتها غذاء وعصمة، ثم تجففين بعد النخالة فتعود كما كانت فتبيعين إذاً الجميع بمثل الثمن الأول ونكون قد ربحنا فضل ما بين الحالين)
ويعلق الشارحان على عبارة (فتبيعين بمثل الثمن الأول) بقولهما: (الجميع أي دقيق القمح ونخالته. أما الدقيق فلأنه باق على حاله، وأما النخالة فلأنها عادت بالجفاف كما كانت)
سبحان الله! ما رأيت كتكلف هذا الشرح. من أين جاء الشارحان بالدقيق وهو لم يرد له ذكر في الكلام؟ ومن أين لهما هذا الخيال الذي تصورا به أن هذه الأسرة قد استغنت بماء النخالة عن كل طعام وشراب فلم تعد بعد بحاجة إلى الدقيق؟ إن أحداً لا يعقل هذا!! ولكن