لا عمل لي دعاني إلى الجلوس معه. ولا أذكر أنه أكرمني بفنجان قهوة. أو قدم لي سيكارة واحدة. أما حديثه فكان سخيفاً ولكنه مسل للغاية. معظمه حكايات عن حياته الماضية في الجيش ونوادر عن كلبه لا تخلو طبعاً من مبالغات ومغالطات. وكان إذا تكلم عن كلبه لمعت عيناه بوميض غريب وخيل إليك أنه يتكلم عن ابن وحيد له وهبه كامل محبته وحنانه.
وتغيبت بضعة أيام عن القهوة ثم عدت إليها فكان أول شئ لاحظته هو أن أسعد بك غير موجود. ولما جاءني غلام القهوة سألته عنه فلم يفدني شيئاً. وبعد قليل ظهر عويس ماسح الأحذية. وكان مسروراً يخبط بظهر فرشته صندوقه فسألته:
- ما الخبر يا ولد؟
- خبر عظيم جداً يا بيه.
- لقد أخذوا كلب أسعد بك في عربة الكلاب.
- يا شيخ!
- شاهدت ذلك يعيني رأسي.
ونالني شئ من الأسف. ولكنني لم أهتم بالأمر كثيراً. وأعتقدت أنني سأرى في الغد صديقي وكلبه يحتلان ركنهما المختار في القهوة.
وبعد انقطاعي بضعة أيام ذهبت إلى القهوة فوجدت أسعد بك وبحثت بعيني عن الكلب فلم أجده. وكانت عينا صديقي مربدتين حائرتين ووجهه محتقناً. وسلمت عليه فسلم علي في اقتضاب وصمت فلم أشأ أن أثقل عليه. وقصدت إلى مكاني وفتحت كتابي وبدأت دراستي ولكنني ما كدت أفعل حتى سمعته يتكلم في لهجة شرسة وكأنه يتحدى إنساناً أمامه قائلاً:
يأخذون الكلب ويطلبون مني جنيهاً مقابل إطلاق سراحه! جنيه! هذا نصب، نهب. . إخص على دي مصلحة.
وبصق بصقة كبيرة. ثم أتم كلامه. . .
-. . مع أني أفهمتهم أني حكيم. . حكيمباشي الأورطة التاسعة التي قهرت العصاة في الأبيض ودارفور. رجل مقامي معروف وماضي مفعم بجليل الأعمال. مصلحة دون! لا تعرف أصحاب المقامات. . إخص. .!