للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو بما يرشدنا ويدلنا يؤدي إلى الضاد خدمة من أجل الخدمات

هذا ويسرني كذلك أن أذكر دون أن أتحيز إلى سعيد، إنه قدم بكتابه هذا أقوى براهينه على أصالته، فلقد حيل بينه كما حيل بين أستاذه وبين الأدب الغربي في لغاته، ومع ذلك فإني لأشهد أن ما اتبعه في كتابه تلك الترجمة لا يختلف في جوهره عن أصول ذلك الفن. وفي ذلك دليل قوي كما أقول على إنه كالجواد الكريم، لم يأت كرم أصله من المحاكاة والتعلم، وإنما كان كرم ذلك الأصل طبيعة فيه لأنه هكذا خلق

سار سعيد سيراً منطقيا فتتبع حياة الرافعي في مراحلها دون تعثر أو ارتباك، ثم حلل ودرس المزاج الأدبي والنزعات الاجتماعية والسياسية التي امتاز بها عصر الرافعي، فكانت طريقته بهذا هي الطريقة العلمية، طريقة النظر والتبصر، وبها امتاز كتابه عن تلك الكتب التي تعمد إلى مجرد الحكاية والسرد، وإنك لتقرأ الكتاب فتحس كأنك صاحبت الرافعي وترتسم لك شخصيته قوية واضحة فتسأل هل كان مرد ذلك إلى حسن سياق الكاتب أم إلى شدة معرفته بمن يكتب عنه، ثم لا يسعك إلا أن ترده إلى ذلك جميعاً

وثمة حسنة في الكتاب زادتني محبة له، ذلك أن الدافع الأساسي إلى كتابته كما نعلم كان دافع الوفاء نحو صديق راحل فلم يحمل هذا الدافع القوي سعيداً على التحيز وعهده بصاحبه قريب، ورأيناه بصدقه. وإنصافه يرينا ناحية من نواحي قوته ككاتب. ثم لقد كان يجد نفسه أمام أمور دقيقة فكانت تواتيه فيها لباقة ترضي الذوق ولا تغضب الحق. . .

أما أسلوب سعيد فلست بحاجة إلى أن أتحدث إلى القراء عنه، وقد عرف القراء سعيداً بجمال أسلوبه وبلاغة بيانه قبل أن يعرفوه بكتابة هذا، وحسبي هنا أن أشير إلى إعجابي به

وعهدي بسعيد إنه يحب في إخلاص أن يعرف رأي المنصفين فيما كتب فيحفل بأن يسمع ما لا يرضيهم أكثر مما يحفل بالثناء والمجاملة وهي خلة تضاف إلى محامده، ولذلك أصارح سعيداً بأني كنت أحب منه أن يدرس أسلوب الرافعي وطريقته دراسة نقدية. ولقد يرد على ذلك بقوله إن لهذه الدراسة مجالاً غير هذا المجال، وهو رأي له وجاهته بل هو رأي أكثر كتاب فن التراجم وفي مقدمتهم أميل لدوج وأندريه موروا وغيرهما، بيد أني شخصّياً أرى أن الموضوع يكون بهذه الدراسة أتم وأجمل

<<  <  ج:
ص:  >  >>