الأجداد من تراث علمي وأدبي قد استنزفه الغرب فلم يبق فيه قطرة لرجال العلم في هذا العصر، وإن أدمغة العرب قد عقمت في هذه الأيام فليس فيها ما يُطمع به. وليقل البعض الآخر إن قرينة الأستاذ جيمس قد استهواها ما يبدو من أبناء وطنها من غرائب الأعمال. أما نحن فلا نملك القلم من أن يكتب تكراراً ما كتبه منذ سنوات ونشر في رسالة المنبر:
(إن هذه البلاد مستودع لأشرف الثقافات، ومكمن لأسمى المواهب، فمن واجب أجناد المنابر والأقلام فيها أن يظهروا هذه القوات لأبنائها نزوعاً بهم عن الانقياد لدخيلات العادات والأخلاق التي تغلبت عليهم بما وجدوه من التوهم في أنفسهم فاستصغروها)
وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدى المساويا
في هذا البيت حكمة أصابت صميم الحقيقة في الشطر الأول، غير أنها قصرت في الشطر الثاني عن تصوير حالة الساخط النفسية؛ فإن من نقم على إنسان لا يقف عند إبداء مساويه بل يندفع إلى مسخ حسناته عيوباً
تلك حالة مستقرة في الطبيعة يصعب على الإنسان أن يحلق فوقها. ولكم نتمنى لو يخضد تهذيب النفس من شوكتها أو على الأقل لو انعتق الأدباء من سلطانها وهم الداعون إلى الإنصاف والمتجهون إلى المثل العليا
صديقنا الكاتب الروائي كرم ملحم كرم معروف في العالم العربي بآثاره الأدبية القيمة وصديقنا إلياس أبو شبكة كاتب من الطراز الأول وشاعر من طليعة شعراء هذا الجيل؛ ولست أدري أي شيطان نفخ بينهما فحول نورهما ناراً تتقد ولست أدري أيهما بدأ بإشهار الحرب لعدم اطلاعي على صحف بيروت كلها؛ غير أنني قرأت مجلة الأمالي فإذا فيها مقالات متتابعة يشن فيها الروائي الغارة على الشاعر ويتهمه بأنه سرق من شعراء الفرنجة جميع ما نظم في ديوانه (أفاعي الفردوس)
وعهدي بصديقي الأستاذ كرم عميق الغور رصيناً فإذا به يخرج من حلمه ويوجه نقده شتماً وتحقيراً، وما هذه الغضبة المضربة على قوله إلا غيرة على الأدب العربي وإشفاقاً على المسكين بودلير واضرابه، ينتزع منهم إلهامهم ويختلس ثمرات قرائحهم
وقد أورد صديقي كرم ما يزيد على عشرين قطعة من هؤلاء الشعراء باللغة الفرنسية وألحق كل قطعة بما اختلسه أبو شبكة وقيده لحسابه