أصابعه على مزماره وهو يرعى غنمه فيبعث أنغاماً هي السحر تأثيراً؛ أليس يصور بأنغامه ما يجيش بصدره من عواطف وآمال وما يتلاعب بفؤاده من أميال وافكار؛ واليس يصور بأنغام مزماره ذلك الغدير بعذوبته وتلك المراعي بخضرتها ونضارتها، وما إلى ذلك من تصوير. هذا هو الحق ولكنه تصوير ساذج ضعيف إلا أن جعلنا من مصوري القرية الذين يرسمون صور عودة الحجاج وما شابه ذلك مصورين لهم خطرهم وأهميتهم ولكن في الموسيقى الشرقية الحديثة، هناك من قام بمحاولات في هذا النوع علها تسير إلى التقدم بعد في مهدها.
والآن نتكلم عن الفروق بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية من الوجهة العامة فأول ما نلاحظه هو تعدد النواحي التي ذهبت إلى التعبير عنها الموسيقى الغربية واقتصار الموسيقى الشرقية على نوع يكاد يكون واحد، ويشبه ذلك شعر أمتين، تناول في الأول كل ما تذهب إليه أغراض الشعر من وصف وغزل ومدح وهجاء ورثاء. . .، واقتصر الثاني على غرض واحد لا يتعداه من تلك الأغراض.
كذلك الأمر في الموسيقى الشرقية. لم تعد كونها موسيقى لهو ومرقص وهي تكاد تقصر نفسها على هذا اللون فقط لا تبدله ولا تنهض عنه بينما نجد إن للموسيقى الغربية مذاهب وأغراضا متعدد متلونة لا يكاد ينتهي منها الباحث. ولعل ذلك راجع كما أرى إلى إن نشأة الموسيقى الشرقية لم تكن بالنشأة اللائقة بها كفن سام له آدابه، فهي قد نشأت في بلاد الفرس والعرب بين الموالي والقيان وفي الحانات التي كان ارتيادها محرما على ذوي المكانة الأدبية. مع إن بعضاً من الخلفاء قد اهتموا بأمر الموسيقى وعطفوا على المشتغلين بها فان ذلك كان ليرفهوا عن أنفسهم في مجلس شراب وانس لا مجلس جد واحترام وظل الأمر كذلك حتى انتقلت الخلافة إلى الأتراك فابتدأت الموسيقى ترفع رأسها لتحل محلها الذي كان ينبغي لها إن تحله من قبل. وكان ذلك باشتغال سلاطين آل عثمان أنفسهم بالموسيقى وما زال (سوزدلار بيشروي) - تأليف السلطان سليم - خليفة المؤمنين آية من آيات الموسيقى الشرقية.
وما يؤسف له حقاً، إن التراث الفني للموسيقى العربية قديما مفقود، إذ لم تكن الحروف الموسيقية (النوتة) متداولة، أو لعلها كانت متداولة إلا إن ما وصل إلينا منها كالطلاسم لا