كان يقتفي أثره صائحاً بأعلى صوته:(إنه مشعوذ يريد أن يصرفكم عن دين آبائكم إلى العقائد الكاذبة التي جاء بها فتحاشوه ولا تسمعوا له). فكان الحجاج يعيرون الرسول ويجابهونه بقولهم:(إن أهلك أنفسهم وأقاربك أحق الناس بمعرفتك، فلم لا يصدقونك إذاً ويتبعونك؟). وأخيراً استفز كل هذا الاضطهاد الذي لحق بمحمد وأتباعه عاطفة جماعات كثيرة من قريش، فنقضوا عهد المقاطعة.
وفي هذا العام غمر محمداً أشد الحزن والجزع لفقد خديجة زوجه الأمين التي كانت له مشيراً ونصيراً مدة خمس وعشرين سنة. وبعد وفاة خديجة بمدة مات أبو طالب فحرم الرسول (ص) بموته أقوى حام له، وأثبت مدافع عنه. وبذلك أصبح الرسول مرة أخرى موضوع استهزاء الأعداء به، واحتقارهم له. قاسى محمد (ص) سخرية عشيرته به، وإعراضهم عنه، وفشلاً في رسالته التي ظل يبلغها إليهم مدة عشر سنوات، فصمم على أن يبحث عن عشائر أخرى لعلها تكون أكثر استعداداً لسماع دعوته، وعن أرض أخرى خصبة قد تنمو فيها بذور عقيدته، فخرج مصحوباً بذلك الأمل إلى الطائف، وهو مكان يبعد سبعين ميلا عن مكة. وهناك أمام جماعة من رؤساء القرية أوضح محمد (ص) دينه المتضمن وحدة الله، والرسالة التي بعث بها رسولاً للناس، وتوسل إليهم في الوقت نفسه أن يحموه ممن اضطهدوه في مكة. رأي أهل الطائف ألا توافق بين دعوة محمد الطموحة (التي كانت إذ ذاك أسمى من أن يدركها المشركون مثلهم) وبين حال الضعف وقلة الأنصار التي كان فيها، فذهبوا يحقرونه ويسخرون به، ويرمونه بالحجارة في غير شفقة، ثم طردوه من ديارهم
غادر محمد الطائف، وقد ظهرت بوادر النجاح أضعف ما تكون، فتنفس الصعداء بالعبارة التي تضمنتها الآيات الكريمة التي صدرت على لسان نوح عليه السلام:(قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا).
كانت عادة محمد (ص) خلال موسم الحج السنوي أن يذهب إلى منازل القبائل العربية المختلفة، ويتحدث إليهم عن الإسلام، فكان بعضهم يقابل دعوته بالجفاء، وآخرون يعرضون عنه ساخرين؛ ولكن عزاء جاء إليه من حيث لم يتوقع. ذلك أنه قابل شرذمة من