للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ستة نفر أو سبع، وعرف أنهم قدموا من المدينة أو يثرب كما كانت تسمى حينئذ، فسألهم قائلاً: (من أنتم؟) قالوا: (نفر من الخزرج). قال: (أمن موالي اليهود؟). قالوا: (نعم). قال: (أفلا تجلسون أسمعكم؟). قالوا: (بلى). فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن. وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهوداً كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عزُّوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: (إن نبيَّاً مبعوثاً الآن، قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم). فلما كلم رسول الله (ص) أولئك النفر، ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: (ياقوم، تَعلًّموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه). فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: (إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين. فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك). ثم انصرفوا عن رسول الله (ص) راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا

هذا هو الخبر المأثور لهذه الحادثة التي تعتبر فجر يوم جديد للدعوة المحمدية. فلقد لاقى محمد قوماً مستعدين لقبول تعاليمه، قوماً كانت أحوالهم الاجتماعية حينئذ ممهدة لدعوته، كما سيتضح ذلك فيما بعد

كانت يثرب إذ ذاك مسكونة باليهود منذ زمن طويل، ويغلب على الظن أنهم أخرجوا من ديارهم على يد الإمبراطور أدريان الذي اضطهدهم (فاستقروا في مكان يثرب). ولما وصل بطنا الأوس والخروج من العرب - في إحدى انتجاعاتهم للمرعى - إلى يثرب، سمح لهم اليهود بالإقامة فيها. وبنمو النسل وتكاثر العدد اكتسبوا السلطان من رؤساء اليهود شيئاً فشيئاً، حتى نجحوا أخيراً، حوالي منتهى القرن الخامس الميلادي في احتجان كل السلطان على يثرب

اعتنق بعض العرب اليهودية وظل كثير من رؤساء يثرب اليهود مقيمين بها، تحت سلطان العرب الغزاة. من أجل هذا نجد عدداً كبيراً من اليهود من ساكني يثرب، في العصر الذي ظهر فيه محمد صلى الله عليه وسلم. كان سكان يثرب لذلك على علم بأمر (المنقذ) الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>