للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- كفى كفى. . . لو أنهم سألوك هذا السؤال حين أردت أن تدخل المعهد فأجبت هذه الإجابة، وكانوا يعلمون، إذن لوفروا عليك جهدك ولأنبأوك بأنك فاشل في الموسيقى، فاشل، فاشل. . .

- عجباً. . . وما دخل ميدان إبراهيم باشا وما فيه من مركبات ومتاجر. . . في المعهد والموسيقى. . .

- أسمع يا بني. . . لو أنك راجعت ما سردته على مما يشغلك وأنت في ميدان إبراهيم باشا لرأيت أنك لم تحص غير منظورات تراها العين، وأنك حتى حين أحصيت السيارات وصفتها بأنها رشيقة وهو وصف فيما أظن ينصب على شكلها وحركتها ولا ينتبه إلى صوتها ولا يلتفت إليه. . . وهذا يدل على أن نفسك تطل على الحياة من عينيك لا من أذنيك. . . والموسيقى يا بني يستطيع أن يعمى وأن ينتج، ولكنه لا يقوى على الإنتاج إذا صمت أذناه

- وما رأيك في بتهوفن الذي كان يلحن وهو أصم؟

- إن الصمم لم يدركه إلا على كبر بعد أن اختزن في نفسه من صور الأصوات وخيالاتها ما جعله بعد صممه مادة لفنه؛ ولو أنه ولد وهو أصم لما استطاع أن يتكلم فما بالك بالموسيقى والتلحين. . . هل سمعت أبكم يغني. . . أو هل رأيت أعمى يرسم؟ الفنون يا بني ليست شيئاً غير تركيب (الخامات) التي تحصل عليها النفس وتأليفها تأليفاً منسقاً

- وما هي هذه (الخامات) التي تحصل عليها النفس؟

- هي الأحاسيس والانفعالات التي توصلها الحواس إلى المخ. هذه هي المنظورات، والمسموعات، والمشمومات، والمذوقات، والملموسات، والمدركات. . . تستقر في النفس مختلف عددها، وصاحب الفن يؤلف منها فنه. . . فإذا كانت نفسه تتلقى بطبعها منظورات أكثر من المسموعات فهو أصلح للرسم منه للموسيقى؛ وإذا كانت نفسه ترحب بالمدركات المعنوية المجردة أكثر مما ترحب بغيرها فهو أصلح للفلسفة والأدب العقلي؛ وإذا كان الله قد منحه قوة في أنفه فهو يشم ويميز الروائح أكثر من غيره كان أصلح الناس لإنتاج الروائح العطرية وتأليفها، وأظنك لا تنكر على أصحاب الروائح الجميلة أنهم كأصحاب الألحان الجميلة، فهم الذين يلهمهم ذوقهم إضافة البنفسج بنسبة خاصة، إلى الليمون بنسبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>