وهذا الكتاب آخر هو في الواقع حلقة تتصل بنظام الكتاب السابق، وضعه مؤلفه الفاضل اليوزباشي عبد الرحمن زكي أمين المتحف الحربي عن (الجيش المصري في عهد محمد علي باشا الكبير) ولقد كان الجيش في عهد محمد علي - كما يقول المؤلف - هو كل شيء، ومن أجله كان كل شيء. فلخدمته أنشئت مدارس الطب والهندسة والفنون العسكرية، ولنهضته قامت صناعات الأسلحة والذخائر والملابس، ولتموينه كان العمل على تقدم الزراعة والتجارة والعمران، ومن ثم استطاعت البلاد أن تقوم بأعباء الكفاح الحربي ومطالب الإمبراطورية الناشئة، وأن تحقق مطامع العاهل العظيم
وخبرة المؤلف الفاضل تتصل بالعمل، وتتصل بالتاريخ، وعلى هذا المعنى جرى في تأليف كتابه، ففيه رواية التاريخ، وخبرة العامل. فهو من ناحية يتكلم عن تاريخ الجيش في عهد محمد علي ممهداً لذلك بمقدمة عن قوات الدفاع قبل محمد علي، ثم يتحدث عن جهود البطل العظيم في خلق الجيش، ومواقع إبراهيم وانتصاراته برواية التاريخ المستمدة من أوثق المصادر مما كتب الإفرنج والعرب ومما هو محفوظ من السجلات والوثائق التاريخية بقصر عابدين العامر، ومن ناحية أخرى يتكلم المؤلف عن الجيش في ميدان العمل، وهو في هذا يفسر الرواية بالدراية، ويعلل للتاريخ بالعلم والواقع، وهذه الناحية هي لا شك أهم ما في الكتاب، لأن الدراسة العلمية للتاريخ الحربي ليست مما تقتضيه الحاجة العلمية فحسب! بل هي كما يقول الأستاذ شفيق غربال - مما تقتضي به الحياة القومية المستقلة وعمادها الذود عن الوطن. وفي تلك الدراسة يجد أولياء الأمور الإجابة عن الكثير مما يعترضهم من مسائل الدفاع، كما يجد فيها رجال الجيش ما يفيدهم في مسائل الحرب وشئون التعليم العسكري
ولقد حرص المؤلف الفاضل على شرح وقائع التاريخ بالصور والرسوم والمصورات الجغرافية، وجاء في آخر الكتاب بثبت حافل من الأرقام والإحصائيات التي تنطق بعظمة الجيش في عهد محمد علي وضخامته، وحسن نظامه وترتيبه، وكأنه يقول: هذا ما فعل أجدادنا فأين جهادنا؟! والواقع أن كتاب المؤلف خدمة علمية قومية، فهو يسد حاجة المؤرخ الباحث، ويفيد الجندي المجاهد. وإنها لخدمة يشكر عليها ذلك المؤرخ الفاضل، والجندي الباسل. وما أشد حاجتنا إلى مثل هذه المؤلفات النافعة في مطلع حياتنا الجديدة.