لقد كنت قريباً منك يوم (عرض الخيل) فرأيت في عينيك وأنت تراقب أبنك معنى من معاني الغيب ولكنا ما أدركته، ومن أين يخطر على بالي أنك كنت تودعه، وتفكر فيه كيف يفقد أباه ويجد الملك، فلا يدري ما الملك ولا بني ينادى: بابا. . .؟ من كان يظن أن الملك الشاب أبن الخمس والعشرين يموت؟
من كان يظن أن هذه الهبة الكبرى إنما هي استعجال للقدر، وأن هذه الأيام العشرة إنما هي الخاتمة البارعة لتلك الحياة البليغة؟: ولكن هل تم كل شئ حتى تستريح (يا غازي)؟ لقد وعدت (وفد العروة) أن تشرفهم بلقائك وما عهدناك أخلفت قبل اليوم وعداً. لقد كمل الجسر العظيم الذي لم ينشأ مثله في عهد الرشيد والمأمون، فأين أنت لتفتحه بيدك، وتخطو فيه أول خطوة؟ لقد وصل الخط الحديدي إلى الموصل أفلا تفضلت فرعيته وافتتحته؟ لقد أجمعت أمه الشام على نصبك ملك، وتسليمك عرش أبيك على رغم الظالمين، فأين أنت لتسكن قصر أبيك في دمشق وتحتل عرشه فيها؟ لقد تهيأ العرب ليمشوا تحت لوائك إلى قمم المجد وذرى العظمة، فتقدم يا قائد العرب يا مليك؟
وأين قائد العرب؟ أين المليك؟
لقد مشى إلى رحمة الله، فإنا لله وأنا إليه راجعون!
أحين اشتدت المعظلة، واستحكم الأمر، ورجوناك للخطب لا يرجى فيه إلى أنت. .؟
أحين تعلقت بك الآمال، وأقبلت عليك القلوب، وغدوت حبيب الشعب المفدى. .؟
أحين تمت بك الأفراح، وكادت تتحقق بك المنى. . .؟
اللهم لقد حرمت كل شيخ منا ابنه، وكل فتى أخاه، وكل صبي أباه، حين أخذت سيدنا وحبيبنا وملكنا غازي!
اللهم فارزقنا الصبر، وأين منا الصبر؟
(يا غازي) أرفع رأسك ساعة وانظر إلى شعبك. إنه يحار ماذا يصنع، فهو يسكن واجماً ثم يثور نادباً، ثم يستفزه الألم فيقرع الطبول ويرقص رقصة اليأس. إنه يحمل صورتك مجللة بالسواد فلا يراها أحد حتى يبكي. على أنهم حملوا صورتك في الأفئدة ونقشها على صفحات النفوس، فأنت من كل قلب حبته، ومن كل عين سوادها؛ اسمك آهة على كل لسان، ودمعة في كل مقلة، وخفقه في كل فؤاد، ومناحة في كل بيت عربي. . .