لقد لحقني اليوم طفل ما أحسبه بلغ الرابعة، فجعل يطلب مني بإلحاح ويشير بيديه؛ فأعطيته فلسين فألقاهما في وجهي، فزدتهما فرما الأربعه، فتفهمت قصده فإذا هو يطلب شارة سوداء كالتي أضعها في صدري ليعلن بها الحزن عليك، فدفعتها إليه فانصرف وهو يذكر اسمك ويبكي!
لقد رأيت عجوزاً تنظر إلى رسمك المجلل بالسواد وتبكي بحرقه كأنما تبكي فيك ولدها الوحيد، وهي تظن أنه ما يراها من أحد إلا الله!
لقد أغمي على كثير من الطلاب والطالبات لما سقط عليهم الخبر الأسود. لقد احمرت من اللطم صدور وخدود يؤذيها مس النسيم!
يا غازي، يا أيها الفتى القوي، يا أيها الفارس الطيار، ألم تعد تستطيع أن ترفع رأسك مرة أخرى لترى ما صنع شعبك؟
لقد مت من القضاء مرت ولكنا متنا من الحزن ألف مرة، وسنموت من الحزن ألف مرة، ولن ننساك (يا غازي)، مثلك ما ينسى! إن الشام الذي نادى بك مليكاً منذ أيام وكنت أنت أمله لم يبقى له أمل، فهو يبكي فيك اليوم كل شهيد من شهدائه. إنه كان يحبس دمعه من أجلك فلم يحبس الدمع من بعدك؟
إن العجوز التي كانت تتلقى أبنها وهي تهتف باسمك، لم يبقى لها من تهتف باسمه من بعدك!
(يا غازي) من لأطفال الشام، من لنسائه، من لضعافه الذين يسومهم القوي ألوان الخسف؟ (يا غازي) من لهم، وباسم من يهتفون من بعدك؟
(يا غازي) ما تيتم لفقدك فيصل الصغير وحده ولكن فقدك يتم كل عربي. ما يتم فيصل الصغير، أبداً ماتيتم، إن كل عربي له أب وخادم وصديق، إن له في قلب كل عربي مكاناً!
أحقيقة أنهم أودعوك جوف الثرى؟
(يا غازي) إني والله ما أصدق أنك مت!
(يا غازي) لقد سمعت الخبر فكذبته، ولعنت ناقله وانتظرت أن أراك طالعاً علينا، تمر مر النسيم الناعش، مرّ الرجاء الحلو بخيال الآيس الحزين، تحي شعبك، وتسبغ عليه القوة